للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الرَّسُولَ وَالتَّنْزِيلَ، وَعَايَنُوا الرَّسُولَ وَعَرَفُوا مِن أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَأَحْوَالِهِ مِمَّا يَسْتَدِلُّونَ بِهِ عَلَى مُرَادِهِمْ مَا لَمْ يَعْرِفْهُ أَكْثَرُ الْمُتَأَخِّرِينَ الَّذِينَ لَمْ يَعْرِفُوا ذَلِكَ، فَطَلَبُوا الْحُكْمَ مَا اعْتَقَدُوا مِن إجْمَاع أَو قِيَاسٍ. [١٩/ ١٩٥ - ٢٠٠]

١٩٤١ - أمَّا عَلَى قَوْلِ مَن يَرَى مِن هَؤُلَاءِ أَنَّ الْإِجْمَاعَ يَنْسَخُ النُصُوصَ، كَمَا يُذْكَرُ ذَلِكَ عَن عِيسَى بْنِ أَبَانَ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ قَوْلٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ، مَضْمُونُهُ أَنَّ الْأمَّةَ يَجُوزُ لَهَا تَبْدِيلُ دِينِهَا بَعْدَ نَبِيّهَا، وَأَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ لَهُمْ، كَمَا تَقُولُ النَّصَارَى: أُبِيحَ لِعُلَمَائِهِمْ أَنْ يَنْسَخُوا مِن شَرِيعَةِ الْمَسِيحِ مَا يَرَوْنَهُ، وَلَيْسَ هَذَا مِن أَقْوَالِ الْمُسْلِمِينَ.

وَمِمَن يَظُنُّ الْإِجْمَاعَ مَن يَقُولُ: الْإِجْمَاعُ دَلَّ عَلَى نَصِّ نَاسِخٍ لَمْ يَبْلُغْنَا.

وَكُلُّ مَن عَارَضَ نَصُّا بِإِجْمَاع، وَادَّعَى نَسْخَهُ مِن غَيْرِ نَصِّ يُعَارِضُ ذَلِكَ النَّصَّ: فَإِنَهُ مُخْطِئٌ فِي ذَلِكَ، كَمَا قَد بُسِطَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا فِي مَوْضِع آخَرَ، وَبُيِّنَ أَنَّ النُّصُوصَ لَمْ يُنْسَخْ مِنْهَا شَيْءٌ إلَّا بِنَصّ بَاقٍ مَحْفُوظٍ عِنْدَ الْأُمَّةِ، وَعِلْمُهَا بِالنَّاسِخِ الَّذِي الْعَمَلُ بِهِ أَهَمُّ عِنْدَهَا مَن عِلْمِهَا بِالْمَنْسُوخِ الَّذِي لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ، وَحِفْظُ اللّهِ النُّصُوصَ النَّاسِخَةَ أَوْلَى مِن حِفْظِهِ الْمَنْسُوخَةَ.

١٩٤٢ - لَا يَجُوزُ لِأحَدٍ أَنْ يَظُنَّ بِالصَّحَابَةِ أَنَّهُم بَعْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَجْمَعُوا عَلَى خِلَافِ شَرِيعَتِهِ؛ بَل هَذَا مِن أَقْوَالِ أَهْلِ الْإِلْحَادِ، وَلَا يَجُوزُ دَعْوَى نَسْخِ مَا شَرَعَهُ الرَّسُولُ بِإِجْمَاعِ أَحَدٍ بَعْدَهُ كَمَا يَظُنُّ طَائِفَةٌ مِن الغالطين؛ بَل كُلُّ مَا أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ فَلَا يَكونُ إلَّا مُوَافِقًا لِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ، لَا مُخَالِفًا لَهُ؛ بَل كُلُّ نَصٍّ مَنْسُوخٍ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ فَمَعَ الْأُمَّةِ النَّصُّ النَّاسِخُ لَهُ؛ تَحْفَظُ الْأُمَّةُ النَّصَّ النَّاسِخَ كَمَا تَحْفَظُ النَّصَّ الْمَنْسُوخَ، وَحِفْظُ النَّاسِخِ أَهَمُّ عِنْدَهَا وَأَوْجَبُ عَلَيْهَا مِن حِفْظِ الْمَنْسُوخِ، ويُمْنَعُ أَنْ يَكُونَ عُمَرُ وَالصَّحَابَةُ مَعَهُ أَجْمَعُوا عَلَى خِلَافِ نَصِّ الرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم -، وَلَكِنْ قَد يَجْتَهِدُ الْوَاحِدُ وَيُنَازِعُهُ غَيْرُهُ وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ. [٣٣/ ٣٢]

<<  <  ج: ص:  >  >>