فَكَانَ فِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهَا لَا تُعْطَى الثُّلُثَ مُطْلَقًا مَعَ عَدَمِ الْوَلَدِ، وَهَذَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ وَالْجُمْهُورِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: لَا تُعْطَى فِي الْعُمَرِيّتَيْنِ -زَوْجٌ وَأَبَوَانِ؛ وَزَوْجَةٌ وَأَبَوَانِ- ثُلُثُ جَمِيعِ الْمَالِ.
بَل فِي كِتَابِ اللهِ مَا يَمْنَعُ إعْطَاءَهَا الثلُثَ مَعَ الْأَبِ وَأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ، فَإِنَّهُ لَو كَانَ كَذَلِكَ كَانَ يَقُولُ: فَإِنْ لَمْ يَكُن لَهُ وَلَدٌ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ، فَإنَّهَا عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ تَسْتَحِقُّ الثُّلُثَ مُطْلَقًا، فَلَمَّا خَصَّ الثُّلُثَ بِبَعْضِ الْحَالِ: عُلِمَ أَنَّهَا لَا تَسْتَحِقُّ مُطْلَقًا، فَهَذَا مَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ الَّذِي يُسَمَّى دَلِيلُ الْخِطَابِ، يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِ مَن أَعْطَاهَا الثُّلُثَ إلَّا الْعُمَرِيّتَيْنِ، وَلَا وَجْهَ لِإِعْطَائِهَا الثُّلُثَ مَعَ مُخَالَفَتِهِ لِلْإِجْمَاعِ.
فَصْلٌ
وَأَمَّا مِيرَاثُ الْأَخَوَاتِ مَعَ الْبَنَاتِ وَأَنَّهُنَّ عَصَبَةً - الَّذِي هُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ وَالْعُلَمَاءِ - فَقَد دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ أَيْضا، فَإِنَّ قَوْله تَعَالَى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} [النساء: ١٧٦]، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الأُخْتَ تَرِثُ النِّصْفَ مَعَ عَدَمِ الْوَلَدِ، وَأَنَّهُ (١) هُوَ يَرِثُ الْمَالَ كُلَّهُ مَعَ عَدَمِ وَلَدِهَا، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ الْأُخْتَ مَعَ الْوَلَدِ لَا يَكُونُ لَهَا النّصْفُ مِمَّا تَرَكَ.
وإذَا عُلِمَ أَنَّهَا مَعَ الْوَلَدِ لَا تَرِثُ النِّصْفَ: فَالْوَلَدُ:
أ - إمَّا ذَكَرٌ.
ب - وَإِمَّا أُنْثَى.
أَمَّا الذَّكَرُ: فَإِنَّهُ يُسْقِطُهَا كَمَا يَسْقُطُ الْأَخَ بِطَرِيقِ الْأوْلَى؛ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: {وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} [النساء: ١٧٦] فَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ الْإِرْثُ الْمُطْلَقُ إلَّا إذَا لَمْ يَكُن لَهَا وَلَدٌ، وَالْإِرْثُ الْمُطْلَقُ هُوَ حَوْزُ جَمِيعِ الْمَالِ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ
(١) أي: الأخ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute