للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(حكاية نَجْمِ الدِّينِ الكُبْريّ مع أَبي عَبْدِ اللهِ الرَّازِي، وَآخَرُ مِن مُتَكَلِّمِي الْمُعْتَزِلَةِ)

٣٥٥ - فِي الْحِكايَةِ الْمَحْفُوظَةِ (١) عَن نَجْمِ الدِّينِ الكُبْريّ لَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ مُتَكَلِّمَانِ أَحَدُهمَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الرَّازِي، وَالْآخَرُ مِن مُتَكَلِّمِي الْمُعْتَزِلَةِ، وَقَالَا: يَا شَيْخُ بَلَغَنَا أَنَّك تَعْلَمُ عِلْمَ الْيَقِينِ؟

فَقَالَ: نَعَمْ، أَنَا أَعْلَمُ عِلْمَ الْيَقِينِ.

فَقَالَا: كَيْفَ يُمْكِنُ ذَلِكَ وَنَحْنُ مِن أَوَّلِ النَّهَارِ إلَى السَّاعَةِ نتَنَاظَرُ فَلَمْ يَقْدِرْ أَحَدُنَا أَنْ يُقِيمَ عَلَى الْآخَرِ دَلِيلًا؟ -وَأَظُنُّ الْحِكَايَةَ فِي تَثْبِيتِ الْإِسْلَامِ- (٢).

فَقَالَ: مَا أَدْرِي مَا تَقُولَانِ، وَلَكِنْ أَنَا أَعْلَمُ عِلْمَ الْيَقِينِ.

فَقَالَا: صِفْ لنَا عِلْمَ الْيَقِينِ؟

فَقَالَ: عِلْمُ الْيَقِينِ -عِنْدَنَا- وَارِدَاتٌ تَرِدُ عَلَى النُّفُوسِ، تَعْجِزُ النُّفُوسُ عَن رَدِّهَا.

فَجَعَلَا يَقُولَانِ: وَارِدَاتٌ تَرِدُ عَلَى النُّفُوسِ تَعْجِزُ النُّفُوسُ عَن رَدِّهَا، وَيسْتَحْسِنَانِ هَذَا الْجَوَابَ.

فَقَالَا لَهُ: مَا الطَّرِيق إلَى ذَلِكَ؟

فَقَالَ: تَتْرُكَانِ مَا أَنْتُمَا فِيهِ وَتَسْلُكَانِ مَا أَمَرَكُمَا اللهُ بِهِ مِن الذِّكْرِ وَالْعِبَادَةِ.

فَقَالَ الرَّازِي: أَنَا مَشْغُولٌ عَن هَذَا.

وَقَالَ الْمُعْتَزِلِيُّ: أَنَا قَد احْتَرَقَ قَلْبِي بِالشُّبُهَاتِ، وَأُحِبُّ هَذِهِ الْوَارِدَاتِ، فَلَزِمَ الشَّيْخَ مُدَّةً ثُمَّ خَرَجَ مِن مَحَلِّ عِبَادَتِهِ وَهُوَ يَقُولُهُ: وَاللهِ يَا سَيِّدِي مَا الْحَقُّ


(١) فالقصة صحيحة محفوظة، وفيها عبرة وعظة لمن تدبرها.
وقد ذكرها الذهبي في تاريخ الإسلام: (٤٤/ ٣٩٤) وقال: نَجْم الدِّينِ الكُبْريّ محدِّث معروف بالسُّنَّة والتَّعبُّد كبير الشأن. ومن مناقبه أنَّهُ استشهد في سبيل الله.
(٢) جزم الذهبي بأنهما تناظرا في معرفة الله وتوحيده.

<<  <  ج: ص:  >  >>