للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

عَن أَقَارِبِهِ مُفَصَّلًا شَيْئًا بَعْدَ شَيءٍ، فَلَو ذَكَرَ الْأَقْرَبَ أَوَّلًا لَمْ يَكُن فِي ذِكْرِ الْأَبْعَدِ فَائِدَةٌ طَائِلَةٌ، فَإِنَّهُ يُعْلَمُ أنَّهُ إذَا فَرَّ مِن الْأقْرَب فَرَّ مِن الْأبْعَدِ، وَلَما حَصَلَ لِلْمُسْتَمِعِ اسْتِشْعَارُ الشِّدَّةِ مُفَصَّلَةً فَابْتُدِئَ بِنَفْيِ إلَّا بْعَدِ مُنْتَقِلًا مِنْهُ إلَى الْأَقْرَب فَقِيلَ أَوَّلًا: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ} فَعُلِمَ أَنَّ ثَمَّ شِدَّةً تُوجِبُ ذَلِكَ، وَقَد يَجُوزُ أَنْ يَفِرَّ مِن غَيْرِهِ وَيجُوزُ أَنْ لَا يَفِرَّ، فَقِيلَ: {وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (٣٥)} فَعُلِمَ أَنَّ الشدَّةَ أَكْبَرُ مِن ذَلِكَ بِحَيْثُ تُوجِبُ الْفِرَارَ مِنَ الْأبَوَيْنِ، ثُمَّ قِيلَ {وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (٣٦)} [عبس: ٣٦] فَعُلِمَ انَّهَا طَامَّةٌ بِحَيْثُ تُوجِبُ الْفِرَارَ مِمَّا لَا يَفِرُّ مِنْهُم إلَّا فِي غَايَةِ الشّدَّةِ، وَهِيَ الزَّوْجَةُ وَالْبَنُونَ، وَلَفْظُ صَاحِبَتِهِ أَحْسَنُ مِن زَوْجَتِهِ. [١٦/ ٧٤ - ٧٥]

١٥٩١ - قَالَ تعالى فِي حَقِّ الْأَعمَى: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (٣)} [عبس: ٣] عَطَفَ عَلَيْهِ {أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (٤)} [عبس: ٤] لِوُجُوه:

أَحَدُهَا: أَنْ التَّزَكِّيَ يَحْصُلُ بِامْتِثَالِ أَمْرِ الرَّسُولِ وإن كَانَ صَاحِبُهُ لَا يَتَذَكَّرُ عُلُومًا عَنْهُ (١)، كَمَا قَالَ: {يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ} [آل عمران: ١٦٤]، ثُمَّ قَالَ: {وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [آل عمران: ١٦٤]، فَالتِّلَاوَةُ عَلَيْهِم وَالتَّزْكِيَةُ عَامُّ لِجَمِيعِ الْمُؤمِنِينَ، وَتَعْلِيمُ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ خَاصٌّ بِبَعْضِهِمْ.

وَكَذَلِكَ التَّزَكِّي عَام لِكُلِّ مَن آمَنَ بِالرَّسُولِ.

وَأَمَّا التَّذَكُّرُ: فَهُوَ مُخْتَصٌّ لِمَن لَهُ عُلُومٌ يَذكرُهَا فَعَرَفَ بِتَذَكُّرِهِ مَا لَمْ يَعْلَمْهُ غَيْرُهُ مِن تِلْقَاءِ نَفْسِهِ. [١٦/ ١٨٥]

* * *

[سورة التكوير]

١٥٩٢ - قَوْلُهُ تعالى: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (٨) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (٩)} [التكوير: ٨، ٩] دَلِيل عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَتْلُ النَّفْسِ إلَّا بِذَنْبٍ مِنْهَا، فَلَا يَجُوزُ قَتْلُ الصَّبِيِّ


(١) أي: لم يسمع منه قبل تذكيره.

<<  <  ج: ص:  >  >>