(الإيمان يَزِيدُ وَيَنْقصُ، والرد على الْخَوَارِج وَالْمُعْتَزِلَة والمرجئة)
٥٢٧ - قَوْلُ الْقَائِلِ: إنَّ الْإِيمَانَ إذَا ذَهَبَ بَعْضُهُ ذَهَبَ كُلُّهُ: مَمْنُوعٌ، وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ الَّذِي تَفَرَّعَتْ عَنْهُ الْبِدَعُ فِي الْإِيمَانِ؛ فَإِنَّهُم ظَنُّوا أَنَّهُ مَتَى ذَهَبَ بَعْضُهُ ذَهَبَ كُلُّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ شَيءٌ.
ثُمَّ قَالَت الْخَوَارجُ وَالْمُعْتَزِلَةُ: هُوَ مَجْمُوعُ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ وَرَسُولُهُ، وَهُوَ الْإِيمَانُ الْمُطْلَقُ كَمَا قَالَهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ، قَالُوا: فَإِذَا ذَهَبَ شَيءٌ مِنْهُ لَمْ يَبْقَ مَعَ صَاحِبِهِ مِن الْإِيمَانِ شَيءٌ فَيُخَلَّدُ فِي النَّارِ.
وَقَالَت الْمُرْجِئَةُ عَلَى اخْتِلَافِ فِرَقِهِمْ: لَا تُذْهِبُ الْكَبَائِرُ وَتَرْكُ الْوَاجِبَاتِ الظاهِرَةِ شَيْئًا مِن الْإِيمَانِ؛ إذ لَو ذَهَبَ شَيءٌ مِنْهُ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ شَئٌ، فَيَكُونُ شَيْئًا وَاحِدًا يَسْتَوِي فِيهِ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ.
وَنُصُوصُ الرَّسُولِ وَأَصْحَابِهِ تَدُلُّ عَلَى ذَهَابِ بَعْضِهِ وَبَقَاءِ بَعْضِهِ؛ كَقَوْلِهِ: "يَخْرُجُ مِن النَّارِ مَن كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِن إيمَانٍ" (١).
وَلهَذَا كَانَ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهُ يَتَفَاضَلُ، وَجُمْهُورُهُم يَقولُونَ: يَزِيدُ وَيَنْقُصُ.
وَالزّيَادَةُ قَد نَطَقَ بِهَا الْقُرْآنُ فِي عِدَّةِ آيَاتٍ؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا} [الأنفال: ٢]، وَهَذِهِ زَيادَةٌ إذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِم الْآيَات أَيَّ وَقْتٍ تُلِيَتْ، لَيْسَ هُوَ تَصْدِيقُهُم بِهَا عِنْدَ النُّزُولِ، وَهَذَا أَمْرٌ يَجِدُهُ الْمُومِنُ إذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِ الْآيَاتُ زَادَ فِي قَلْبِهِ بِفَهْمِ الْقُرْآنِ وَمَعْرِفَةِ مَعَانِيهِ مِن عِلْمِ الْإِيمَانِ مَا لَمْ يَكُنْ، حَتَّى كَأنَّهُ لَمْ يَسْمَع الْآيَةَ إلَّا حِينَئِذٍ، وَيَحْصُلُ فِي قَلْبِهِ مِن الرَّغْبَةِ فِي الْخَيْرِ، وَالرَّهْبَةِ مِن الشَّرِّ مَا لَمْ يَكُنْ، فَزَادَ عِلْمُهُ بِاللهِ، وَمَحَبّتهُ لِطَاعَتِهِ، وَهَذِهِ زِيَادَةُ الْإِيمَانِ. [٧/ ٢٢٣ - ٢١٨]
* * *
(١) رواه الترمذي (١٩٩٩)، وقال: حسن صحيح غريب.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute