وَلهَذَا فَرَضَ مُتَأخِّرُو الْفُقَهَاءِ مَسْأَلَةً يَمْتَنِعُ وُقُوعُهَا: وَهُوَ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا كَانَ مُقِرًّا بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ، فَدُعِيِ إلَيْهَا وَامْتَنَعَ، وَاسْتُتِيبَ ثَلَاثًا مَعَ تَهْدِيدِهِ بِالْقَتْلِ، فَلَمْ يُصَلِّ حَتَّى قُتِلَ: هَل يَمُوتُ كَافِرًا أَو فَاسِقًا؟
عَلَى قَوْلَيْنِ، وَهَذَا الْفَرْضُ بَاطِلٌ؛ فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ فِي الْفِطْرَةِ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ يَعْتَقِدُ أَنَّ اللهَ فَرَضَهَا عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ يُعَاقِبُهُ عَلَى تَرْكِهَا، وَيَصْبِرُ عَلَى الْقَتْلِ؛ وَلَا يَسْجُدُ للهِ سَجْدَةً مِن غَيْرِ عُذْرٍ لَهُ فِي ذَلِكَ، هَذَا لَا يَفْعَلُهُ بَشَرٌ قَطُّ؛ بَل وَلَا يُضْرَبُ أَحَدٌ مِمَن يُقِرُّ بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ إلَّا صَلَّى، لَا يَنْتَهِي الْأَمْرُ بهِ إلَى الْقَتْلِ.
وَسَبَبُ ذَلِكَ: أَنَّ الْقَتْلَ ضَرَرٌ عَظِيمٌ، لَا يَصْبِرُ عَلَيْهِ الْإِنْسَانُ إلَّا لِأَمْر عَظِيمٍ؛ مِثْل لُزُومِهِ لِدِينٍ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ إنْ فَارَقَهُ هَلَكَ فَيَصْبِرُ عَلَيْهِ حَتَّى يُقْتَلَ، وَسَوَاءٌ كَانَ الدّينُ حَقًّا أَو بَاطِلًا.
أَمَّا مَعَ اعْتِقَاده أَنَّ الْفِعْلَ يَجِبُ عَلَيْهِ بَاطِنًا وَظَاهِرًا: فَلَا يَكُونُ فِعْلُ الصَّلَاةِ أَصْعَبَ عَلَيْهِ مِن احْتِمَالِ الْقَتْلِ قَطُّ.
وَنَظِيرُ هَذَا لَو قِيلَ: إنَّ رَجُلًا مِن أَهْلِ السنَّةِ قِيلَ لَة: تَرْضَّ عَن أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَامْتَنَعَ عَن ذَلِكَ حَتَّى قُتِلَ، مَعَ مَحَبَّتِهِ لَهُمَا وَاعْتِقَادِهِ فَضْلَهُمَا، وَمَعَ عَدَمِ الْأَعْذَارِ الْمَانِعَةِ مِن التَّرَضِّي عَنْهُمَا: فَهَذَا لَا يَقَعُ قَطُّ.
وَكَذَلِكَ لَو قِيلَ: إنَّ رَجُلًا يَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ بَاطِنًا وَظَاهِرًا، وَقَد طُلِبَ مِنْهُ ذَلِكَ، وَلَيْسَ هُنَاكَ رَهْبَةٌ وَلَا رَغْبَة يَمْتَنِعُ لِأَجْلِهَا، فَامْتَنَعَ مِنْهَا حَتَى قُتِلَ: فَهَذَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ فِي الْبَاطِنِ يَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ.
وَلهَذَا كَانَ الْقَوْلُ الظَّاهِرُ: مِن الْإِيمَانِ الَّذِي لَا نَجَاةَ لِلْعَبْدِ إلَّا بِهِ عِنْدَ عَامَّةِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ مِن الْأَوَّلينَ والآخرين. [٧/ ٢١٧ - ٢١٩]
* * *
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute