الْجَارَيةَ لِأَجْلِ كَوْنِهَا تَصْنَعُ الْخَمْرَ، كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ عَيْنًا لِيَعْصِيَ اللهَ بِهَا؛ مِثْل أَنْ يَشْتَرِيَ عَصِيرًا لِيَعْمَلَهُ خَمْرًا، وَيَشْتَرِيَ سِلَاحًا لِيُقَاتِلَ الْمُسْلِمِينَ فِي أَصَحِّ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ، كَمَا هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَد وَغَيْرِهِمَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: ٢]. [٢٩/ ٣٣٢ - ٣٣٣]
* * *
(البيع يَصِحُّ بِلَا رُؤْيَةٍ وَلَا صِفَةٍ ويَثْبُتُ فيه الخِيَار، والنكاح يصح ولا يَثْبُتُ فيه الخِيَار)
٤٠٢١ - الشَّرْطُ إنَّمَا يَثْبُتُ لَفْظًا أَو عُرْفًا، وَفِي الْبَيْعِ دَلَّ الْعُرْفُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَرْضَ إلَّا بِسَلِيمٍ مِن الْعُيُوبِ، وَكَذَلِكَ فِي النِّكَاحِ لَمْ يَرْضَ بِمَن لَا يُمْكِنُ وَطْؤُهَا، وَالْعَيْبُ الَّذِي يَمْنَعُ كَمَالَ الْوَطْءِ -لَا أَصْلَهُ- فِيهِ قَوْلَانِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ.
وَأَمَّا مَا يُمْكِنُ مَعَهُ الْوَطْءُ وَكَمَالُ الْوَطْءِ: فَلَا تَنْضَبِطُ فِيهِ أَغْرَاضُ النَّاسِ.
وَالشَّارعُ قَد أَبَاحَ بَل أَحَبَّ لَهُ النَّظَرَ إلَى الْمَخْطُوبَةِ وَقَالَ: "إذَا أَلْقَى اللهُ فِي قَلْبِ أَحَدِكُمْ خِطْبَةَ امْرَأَةٍ فَلْيَنْظُرْ إلَيْهَا فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَهُمَا" (١).
وَقَوْلُهُ: "أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَهُمَا": يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إذَا عَرَفَهَا قَبْلَ النِّكَاحِ دَامَ الْوُدُّ، وَأَنَّ النِّكَاحَ يَصِحُّ وَإِن لَمْ يَرَهَا، فَإِنَّهُ لَمْ يُعَلِّلِ الرُّؤْيَةَ بِأَنَّهُ يَصِحُّ مَعَهُ النِّكَاحُ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الرُّؤْيَةَ لَا تَجِبُ وَأَنَّ النِّكَاحَ يَصِحُّ بِدُونِهَا، وَلَيْسَ مِن عَادَةِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا غَيْرِهِمْ أَنْ يَصِفُوا الْمَرْأَةَ الْمَنْكُوحَةَ بِذَلِكَ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ فَإِنَّهُ إمَّا أَنْ لَا يَصِحَّ وَإِمَّا أَنْ يَمْلِكَ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ، وَإِن كَانَ قَد ذُكرَ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد رِوَايَة ضَعِيفَة أَنَّهُ يَصِحُّ بِلَا رُؤْيَةٍ وَلَا صِفَةٍ وَلَا يَثْبُتُ خِيَارٌ.
(١) رواه الترمذي (١٠٨٧)، والنسائي (٣٢٣٥)، وابن ماجه (١٨٦٥)، والدارمي (٢٢١٨)، وأحمد (١٨١٣٧). وقال الترمذي: حديث حسن.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute