للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مَا هُوَ أَفْضَلُ لَهُ وَأَنْفَعُ؛ كَمَن يَقْرا الْقُرْآنَ بِاللَّيْل فَيَتَدَبَّرُهُ وينْتَفِعُ بِتِلَاوَتِهِ، وَالصَّلَاةُ تَثْقُلُ عَلَيْهِ، وَلَا يَنْتَفِعُ مِنْهَا بِعَمَل، أَو يَنْتَفِعُ بِالذَّكْرِ أعْظَمَ مِمَّا يَنْتَفِعُ بِالْقِرَاءَةِ.

فَأَيُّ عَمَلٍ كَانَ لَهُ أَنْفَعَ وَللهِ أَطْوَعَ: أفْضَلُ فِي حَقِّهِ مِن تَكَلُّفِ عَمَلٍ لَا يَأْتِي بِهِ عَلَى وَجْهِهِ؛ بَل عَلَى وَجْهٍ نَاقِصٍ، وَيَفُوتُهُ بِهِ مَا هُوَ أَنْفَعُ لَهُ (١). [٧/ ٦٥١ - ٦٥٢]

* * *

[قواعد مهمة في الزهد، وبيان الأخطاء فيه]

٥٩٢ - إِنَّ كَثِيرًا مِن الزُّهَّادِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا أَعْرَضُوا عَن فُضُولِهَا، وَلَمْ يُقْبِلُوا عَلَى مَا يحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ، وَلَيْسَ مِثْلُ هَذَا الزُّهْدِ يَأْمُرُ اللهُ بِهِ وَرَسولُهُ؛ وَلهَذَا كَانَ فِي الْمُشْرِكِينَ زُهَّادٌ، وَفِي أَهْلِ الْكِتَابِ زُهَّادٌ، وَفِي أَهْلِ الْبِدَعِ زُهَّادٌ.

وَمِن النَّاسِ مَن يَزْهَدُ لِطَلَب الرَّاحَةِ مِن تَعَبِ الدُّنْيَا (٢)، وَمِنْهُم مَن يَزْهَدُ لِمَسْألَةِ أَهْلِهَا وَالسَّلَامَةِ مِن أَذَاهُمْ (٣)، وَمِنْهُم مَن يَزْهَدُ فِي الْمَالِ لِطَلَبِ الرَّاحَةِ، إلَى أَمْثَالِ هَذِهِ الْأَنْوَاع الَّتِي لَا يَأْمُرُ اللهُ بِهَا وَلَا رَسُولُهُ، وَإِنَّمَا يَأْمُرُ اللهُ وَرَسُولُهُ أَنْ يَزْهَدَ فِيمَا لَا يُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ (٤)، وَيَرْغَبَ فِيمَا يُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ، فَيَكُونُ زهْدُهُ هُوَ الْإِعْرَاضَ عَمَّا لَا يَأْمُرُ اللهُ بِهِ وَرَسُولُهُ أَمْرَ إيجَابٍ وَلَا أَمْرَ اسْتِحْبَابٍ، سَوَاءٌ كَانَ مُحَرَّمًا أَمَرَ مَكْرُوهًا أَو مُبَاحًا مُسْتَوِيَ الطَّرَفَيْنِ فِي حَقِّ الْعَبْدِ، وَيَكُونُ مَعَ ذَلِكَ مُقْبِلًا عَلَى مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ وَرَسُولُهُ، وَإِلَّا فَتَرْكُ الْمَكْرُوهِ بِدُونِ فِعْلِ الْمَحْبُوبِ لَيْسَ بِمَطْلُوب (٥)، وَإِنَّمَا الْمَطْلُوبُ بِالْمَقْصُودِ الْأَوَّلِ فِعْلُ مَا يُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ.


(١) قاعدة عظيمة النفع، يجب على المسلم أن يستحضرها في كلّ شؤونِه.
(٢) فليس مقصده الصحيح: الزهد، وإنما تذرع به واحتج به ليترك العمل والجد وطلب الرزق،
كما نسمع كثيرًا من أمثال هؤلاء من يقول حينما يُطالبون بالسعي في طلب الرزق: الدنيا فانية، وبعضهم يقول: ما كُتب لك سيأتيك، إلى غيرها من العبارات.
(٣) أي: يزهد في طلب المال لئلا يتأذى من سؤال المحتاج له، وأذى الفقراء ونحوهم.
(٤) من المكروهات والمحرمات، وأما المال الذي به قوام عيشه فليس هذا مما أُمر المؤمن أن يزهد به.
(٥) فلو ترك فضول المباحات من الأموال والمتاع ونحو ذلك: وجلس فارغًا: لم يكن محمودًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>