[سورة النبأ]
١٥٨٨ - قَالَ مُجَاهِدٌ: {لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا (٣٧)} قَالَ: كَلَامًا.
هَذَا مِن تَفْسِيرِهِ الثَّابِتِ عَنْهُ، وَهُوَ مِن أَعْلَمِ -أَو أَعْلَمُ- التَّابِعِينَ بِالتَّفْسِيرِ.
وَهَذَا يَتَنَاوَلُ "الشَّفَاعَةَ" أَيْضًا.
وَفي قَوْلِهِ: {لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا (٣٧)} لَمْ يَذْكُرِ اسْتِثْنَاءً، فَإِنَّ أَحَدًا لَا يَمْلِكُ مِن اللهِ خِطَابًا مُطْلَقًا، إذ الْمَخْلُوق لَا يَمْلِكُ شَيْئًا يُشَارِكُ فِيهِ الْخَالِقُ.
فَإِنَ أَحَدًا -مِمَن يُدْعَى مِن دُونهِ- لَا يَمْلِكُ الشَّفَاعَةَ بِحَالٍ، وَلَكنَ اللهَ إذَا أَذِنَ لَهُم شَفَعُوا مِن غَيْرِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَمْلُوكًا لَهُمْ.
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا (٣٧)} هَذَا قَوْلُ السَّلَفِ وَجُمْهورِ الْمُفَسِّرِينَ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَؤلَاءِ هُم الْكُفَارُ لَا يَمْلِكُونَ مُخَاطَبَةَ اللهِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ.
وَهُوَ خَطَأٌ مَحْضٌ، وَالصَّحِيحُ: قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَالسَّلَفِ: أنَّ هَذَا عَامٌّ، كَمَا قَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى {وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا} [طه: ١٠٨]، وَفِي حَدِيثِ التَّجَلِّي الَّذِي فِي الصَّحِيحِ -لَمَّا ذَكَرَ مُرُورَهُم عَلَى الصِّرَاطِ- قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "وَلَا يَتَكَلَّمُ أَحَدٌ إلَّا الرُّسُلُ وَدَعْوَى الرُّسُلِ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ" (١)، فَهَذَا فِي وَقْتِ الْمُرُورِ عَلَى الصِّرَاطِ، وَهُوَ بَعْدَ الْحِسَابِ وَالْمِيزَانِ، فَكيْفَ بِمَا قَبْلَ ذَلِكَ؟
وَالْعَرَبُ تَقُولُ: مَا أَمْلِكُ مِن أمْرِ فُلَانٍ أَو مِن فُلَانِ شَيْئًا؛ أَيْ: لَا أقْدِرُ مِن أَمْرِهِ عَلَى شَيءٍ، وَغَايَةُ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ الْإِنْسَانُ مِن أمْرِ غَيْرِهِ: خِطَابُهُ وَلَو بِالسُّؤَالِ.
فَهُم فِي ذَلِكَ الْمَوْطِنِ لَا يَمْلِكُونَ مِن اللهِ شَيْئًا وَلَا الْخِطَابَ، فَإنَّهُ لَا
(١) رواه البخاري (٨٠٦)، ومسلم (١٨٢).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute