للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

لِحِفْظِ دِينِ غَيْرِهِ أَمْرٌ مَشْرُوعٌ، وَصَبْرُ الْإِنْسَانِ عَلَى الْجُوعِ مَعَ إحْسَانِهِ إلَى غَيْرِهِ أَمْرٌ مَشْرُوعٌ.

فَهَذِهِ الْقَضِيَّةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَكُونُ مِن الْأُمُورِ مَا ظَاهِرُهُ فَسَاد، فَيُحَرِّمُهُ مَن لَمْ يَعْرِفِ الْحِكْمَةَ الَّتِي لِأجْلِهَا فُعِلَ، وَهُوَ مُبَاحٌ فِي الشَّرْعِ بَاطِنًا وَظَاهِرًا لِمَن عَلِمَ مَا فِيهِ مِن الْحِكْمَةِ الَّتِي تُوجِبُ حُسْنَهُ وَإِبَاحَتَهُ (١). [١٤/ ٤٧٥ - ٤٥٦]

* * *

[سورة مريم]

١٥٢٣ - سُورَةُ مَرْيَمَ: سُورَةُ الْمَوَاهِبِ، وَهِيَ مَا وَهَبَهُ اللهُ لِأَنْبِيَائِهِ مِن الذُّرِّيَّةِ الطَّيِّبةِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ وَالْعِلْمِ النَّافِعِ. [١٥/ ٢٣١]

١٥٢٤ - قَوْله عز وجل: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (٥٩)} [مريم: ٥٩]، وقَوْله تَعَالَى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (٤) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (٥)} [الماعون:٤، ٥] الْمُرَادُ بِهَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ: مَن أَضَاعَ الْوَاجِبَ فِي الصَّلَاةِ لَا مُجَرَّدَ تَرْكِهَا، هَكَذَا فَسَّرَهَا الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْكَلَامِ فَاِنَّهُ قَالَ: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (٤) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (٥)} فأثْبَتَ لَهُم صَلَاةً وَجَعَلَهُم سَاهِينَ عَنْهَا، فَعُلِمَ أَنَّهُم كَانُوا يُصَلُّونَ مَعَ السَّهْوِ عَنْهَا، وَقَد قَالَ طَائِفَةٌ مِن السَّلَفِ: بَل هُوَ السَّهْوُ عَمَّا يَجِبُ فِيهَا، مِثْل تَرْكِ الطُّمَأنينَةِ، وَكِلَا الْمَعْنيَيْنِ حَقٌّ، وَالْآيَةُ تتنَاوَلُ هَذَا وَهَذَا.

وَقَد تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِيمَن غَلَبَ عَلَيْهِ الْوَسْوَاسُ فِي صِلَاتِهِ هَل عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ عَلَى قَوْلَيْنِ:


(١) كما في صلح الحديبية، فإنّ ظاهره فساد وغضاضةٌ على المسلمين، ومصلحة وعزة للمشركين، ولذلك اعترض عليه بعض الصحابة، ولكنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- علم ما يترتب عليه من المصالح والحِكَم العظيمة، التي تربوا على ما يُظن أنه مفسدة، وهذا ما حصل، فقد أتاح هذا الصلح الحوار بين الكفار والمسلمين، واستمع الكفار لحجج المسلمين ولنبيهم وكتاب ربّهم، فأسلم الكثير منهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>