وَكَذَلِكَ مَا يَقُولُهُ بَعْضُهُم: إنَّهُ قَد يَعْطِفُ الشيءَ لِمجَرَّدِ تَغَايُرِ اللَّفْظِ؛ كَقَوْلِهِ:
فَألقَى قَوْلَهَا كَذِبًا وَمَيْنَا.
فَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ مِن هَذَا شَيٌ، وَلَا يَذْكُرُ فِيهِ لَفْظًا زَائِدًا إلَّا لِمَعْنَى زَائِدٍ، وَإِن كَانَ فِي ضِمْنِ ذَلِكَ التَّوْكِيدِ.
فَزِيَادَةُ اللَّفْظِ لِزِيَادَةِ الْمَعْنَى، وَقُوَّةُ اللَّفْظِ لِقُوَّةِ الْمَعْنَى، وَالضَّمُّ أَقْوَى مِنَ الْكَسْرِ، وَالْكَسْرُ أَقْوَى مِن الْفَتْحِ، وَلهَذَا يُقْطَعُ عَلَى الضَّمِّ لِمَا هُوَ أَقْوَى؛ مِثْلُ "الْكُرْهِ" و"الْكَرْهِ"؛ فَالْكُرْهُ هُوَ الشَّيءُ الْمَكْرُوهُ؛ كَقَوْلِهِ: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ} [البقرة: ٢١٦] وَالْكرْهُ الْمَصْدَرُ؛ كَقَوْلِهِ: {طَوْعًا أَوْ كَرْهًا} [التوبة: ٥٣]، وَالشَّيءُ الَّذِي فِي نَفْسِهِ مَكْرُوهٌ أَقْوَى مِن نَفْسِ كَرَاهَةِ الْكَارِهِ.
وَكَذَلِكَ "الذِّبْحُ" و"الذَّبْحُ" فَالذِّبْحُ: الْمَذْبُوحُ؛ كَقَوْلِهِ: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (١٠٧)} [الصافات: ١٠٧] وَالذَّبْحُ: الْفِعْلُ، وَالذِّبْحُ: مَذْبُوحٌ، وَهُوَ جَسَدٌ يُذْبَحُ، فَهُوَ أَكمَلُ مِن نَفْسِ الْفِعْلِ.
فصْلٌ
{قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (١) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (٢)} جَاءَ الْخِطَابُ فِيهَا بـ "مَا" ولَمْ يَجِئْ بـ "مَن"، فَقِيلَ: {لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (٢)} لَمْ يَقُلْ: "لَا أَعْبُدُ مَن تَعْبُدُونَ"؛ لِأَنَّ "مَن" لِمَن يَعْلَمُ، وَالْأَصْنَامُ لَا تَعْلَمُ.
وَهَذَا الْقَوْلُ ضَعِيفٌ جِدًّا، فَإنَّ مَعْبُودَ الْمُشْرِكِينَ يَدْخُلُ فِيهِ مَن يَعْلَمُ كَالْمَلَائِكَهِ وَالْأَنْبِيَاءِ وَالْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَمَن لَمْ يَعْلَمْ.
وَعِنْدَ الِاجْتِمَاعِ تَغْلِبُ صِيغَةُ أُولي الْعِلْمِ؛ كَمَا فِي قَوْلِهِ: {فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ} [النور: ٤٥].
فـ "مَا" هِيَ:
أ- لِمَا لَا يَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute