للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

ب- وَلصِفَاتِ مَن يَعْلَمُ (١).

وَلهَذَا تَكُونُ لِلْجِنْسِ الْعَامِّ؛ لِأنَّ شُمُولَ الْجِنْس لِمَا تَحْتَهُ هوَ بِاعْتِبَارِ صِفَاتِهِ؛ كَمَا قَالَ: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: ٣]؛ أَيْ: الَّذِي طَابَ، وَالطَّيِّبُ مِن النِّسَاءِ، فَلَمَّا قَصَدَ الْإخْبَارَ عَن الْمَوْصُوفِ بِالطَّيِّبِ وَقَصَدَ هَذِهِ الصِّفَةَ دُونَ مُجَرَّدِ الْعَيْنِ عَبَّرَ بـ "مَا".

وَلَو عَبَّرَ بـ "مَن" كَانَ الْمَقْصُودُ مُجَرَّدَ الْعَيْنِ، وَالصِّفَةُ لِلتَّعْرِيفِ.

فَقَوْلُهُ: {لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (٢) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (٣)} يَقْتَضِي تَنْزِيهَهُ عَن كُل مَوْصُوفِ بِأنَّهُ مَعْبُودُهُمْ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا عَبَدَهُ الْكَافِرُ وَجَبَتِ الْبَرَاءَةُ مِنْهُ؛ لِأنَّ كُلَّ مَن كَانَ كَافِرًا لَا يَكُونُ مَعْبُودُهُ الْإلَهَ الذِي يَعْبُدُهُ الْمُؤمِنُ.

وَبِهَذَا يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قَوْلِ الْخَلِيلِ {إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (٢٦) إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي} [الزخرف: ٢٦، ٢٧]، وَقَوْلُهُ {قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (٧٥) أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (٧٦) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: ٧٥ - ٧٧] بِأنْ يُقَالَ: الْخَلِيلُ تَبَرَّأَ مِن جَمِيعِ الْمَعْبُودِينَ مِنَ الْجَمِيعِ فَوَجَبَ أَنْ يُسْتَثْنَى رَبُّ الْعَالَمِينَ.

وَأَمَّا هَذِهِ السُّورَةُ فَإنَّ فِيهَا التَّبَرِّي مِن عِبَادَةِ مَا يَعْبُدُونَ، لَا مِن نَفْسِ مَا يَعْبُدُونَ، وَهُوَ بَرِيءٌ مِنْهُم وَمِن عِبَادَتِهِمْ وَمِمَّا يَعْبُدُونَ، فَإنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ بَاطِلٌ.

فَعِبَادَةُ الْمُشْرِكِ كلُّهَا بَاطِلَةٌ لَا يُقَالُ: نَصِيبُ اللهِ مِنْهَا حَقٌّ وَالْبَاقِي بَاطِلٌ بِخِلَافِ مَعْبُودِهِمْ؛ فَإنَّ اللهَ إلَهٌ حَقٌّ وَمَا سِوَاهُ آلِهَةٌ بَاطِلَةٌ. [١٦/ ٥٣٤ - ٥٩٩]

* * *


(١) أي: إنّ "ما" الموصولة تأتي في حالتين:
الأولى. في حالة الإشارة لغير العاقل.
الثانية: لأوصاف العاقل وليس لذاتِه.

<<  <  ج: ص:  >  >>