للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

فَصْلٌ

فَهَذَا نَفْيُ كَوْنِهِ -سُبْحَانَهُ- وَالِدًا لِشَيء، أَو مُتَّخِذًا لِشَيء وَلَدًا بِأيّ وَجْهٍ مِن وُجُوهِ الْوِلَادَةِ، أَو اتِّخَاذِ الْوَلَدِ أَيًّا كَانَ.

وَأَمَّا نَفْيُ كَوْنِهِ مَوْلُودًا: فَيَتَضَمَّنُ نَفْيَ كَوْنِهِ مُتَوَلِّدًا بِأَيّ نَوْعٍ مِن التَّوَالُدِ مِن أَحَدٍ مِن الْبَشَرِ وَسَائِر مَا تَوَلَّدَ مِن غَيْرِهِ، فَهُوَ رَدٌّ عَلَى مَن قَالَ: الْمَسِيحُ هُوَ اللهُ، وَرَدٌّ عَلَى الدَّجَّالِ الَّذِي يَقُولُ: إنَّهُ اللهُ.

فَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: {وَلَمْ يُولَدْ (٣)} [الإخلاص: ٣] نَفْيٌ لِهَذَا كُلِّهِ؛ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ كُلَّهُم مَوْلُودُونَ، وَاللهُ لَمْ يُولَدْ.

وَلهَذَا لَمَّا ذَكَرَ اللهُ الْمَسِيحَ فِي الْقُرْآنِ قَالَ: ابْنُ مَرْيَمَ، بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ.

وَفي ذَلِكَ فَائِدَتَانِ:

إحْدَاهُمَا: بَيَانٌ أَنَّهُ مَوْلُودٌ وَاللهُ لَمْ يُولَدْ.

وَالثَّانيَةُ: نِسْبَتُهُ إلَى مَرْيَمَ بِأنَّهُ ابْنُهَا لَيْسَ هُوَ ابْنَ اللهِ.

وَقَوْلُهُ: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (٤)} نَفْيٌ لِلشُّرَكَاءِ وَالْأَنْدَادِ، يَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ مَن جَعَلَ شَيْئًا كُفُوًا للهِ فِي شَيءٍ مِن خَوَاصِّ الرُّبُوبِيَّةِ؛ مِثْلُ خَلْقِ الْخَلْقِ وَالْإِلَهِيَّةِ كَالْعِبَادَةِ لَهُ وَدُعَائِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. [٢/ ٤٣٨ - ٤٤٩]

١٦١٤ - إِذَا عُلِمَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الشَّرْعُ مَعَ الْعَقْلِ وَاتِّفَاقِ السَّلَفِ مِن أَنَّ بَعْضَ الْقُرْآنِ أَفْضَلُ مِن بَعْضٍ، وَكَذَلِكَ بَعْضُ صِفَاتِهِ أَفْضَلُ مِن بَعْضٍ، بَقِيَ الْكَلَامُ فِي كَوْنِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١)} تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ مَا وَجْهُ ذَلِكَ؟

قِيلَ: فِيهِ وُجُوهٌ أَحْسَنُهَا -وَاللهُ أَعْلَمُ- الْجَوَابُ الْمَنْقُولُ عَن الْإِمَامِ أَبِي الْعَبَّاسِ ابْنِ سُرَيْج. قَالَ: مَعْنَاهُ: أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: ثُلُثٌ مِنْهَا الْأَحْكَامُ، وَثُلُثٌ مِنْهَا وَعْدٌ وَوَعِيدٌ، وَثُلُثٌ مِنْهَا الْأَسْمَاءُ وَالصِّفَاتُ، وَهَذِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>