للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وَالثانِي: أنَ هَذَا الْجَوْهَرَ اتَّحَدَ بِالْمَسِيحِ وَتَدَرَّعَ بِهِ، وَذَلِكَ الْجَوْهَرُ هُوَ الْأبُ مِن وَجْهٍ، وَهُوَ الِابْنُ مِن وَجْهٍ.

فَلِهَذَا حَكَى اللهُ عَنْهُم تَارَةً أَنَّهُم يَقُولُونَ: الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ، وَتَارَةً أَنَّهُم يَقُولُونَ: إنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ (١).

وَأَمَّا حِكَايَتُهُ عَنْهُم أَنَّهُم قَالُوا: إنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ، فَالْمُفَسِّرُونَ يَقُولُونَ: اللهُ وَالْمَسِيحُ وَأُمُّهُ كَمَا قَالَ: {يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [المائدة: ١١٦].

فَهَذَا حُجَّةُ هَذَا، وَهُوَ ظَاهِرٌ.

وَمِن النَّاسِ مَن يَزْعُم أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ: الْأقَانِيمُ الثلَاثَةُ، وَهِيَ الْأَبُ وَالِابْنُ وَرُوحُ الْقُدُسِ، وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ.

فَتَبَيَّنَ بِذَلِكَ مَا فِي الْقُرْآنِ مِن الرَّدِّ لِمَقَالَاتِ الْمُتَقَدِّمِينَ قَبْلَ هَذِهِ الْأمَّةِ وَالْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ فِيهَا مِن إثْبَاتِ الْوِلَادَةِ للهِ.

وَإِن كَانَ كَثِيرٌ مِن النَّاسِ لَا يَفْهَمُ دَلَالَةَ الْقُرْآنِ عَلَى هَذِهِ الْمَقَالَاتِ؛ لِأنَّ ذَلِكَ يَحْتَاجُ إلَى شَيْئَيْنِ:

أ- إلَى تَصَوُّرِ مَقَالَتِهِمْ بِالْمَعْنَى لَا بِمُجَرَّدِ اللَّفْظِ.

ب- وإِلَى تَصَوُّرِ مَعْنَى الْقُرآنِ وَالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا.

فَتَجِدُ الْمَعْنَى الَّذِي عَنَوْهُ قَد دَلَّ الْقُرآنُ عَلَى ذِكْرِهِ وَإِبْطَالِهِ.


(١) والمشهور في تفسير ذلك: أن النصارى افترقوا إلى فرق، فمنها من يدعي أن المسيح ابن الله، ومنهم من يدَّعي أنه الله، تعالى الله عما يقولون عُلُوًّا كبيرًا.
وانظر إلى حسن توجيه الشيخ لعقيدتهم وكلامهم، فرحمه الله، ما أعظم فهمه، وأشد ذكاءَه، وأوسَع اطّلاعَه.

<<  <  ج: ص:  >  >>