فَيَجُوزُ لِلْكَاتِبِ وَالشَّاهِدِ أَنْ يَكْتُبَهُ وَيُشْهدَ عَلَيْهِ وَلَو لَمْ يَرَ جَوَازَهُ؛ لِأنَّهُ مِن مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ، وَوَليُّ الْأمْرِ يَحْكُمُ بِمَا يَرَاهُ مِن الْقَوْلَيْنِ. اهـ. (٤٩/ ٥٤٩) وهذا بخلاف ما أفتى به عَمَّن سأله عن وَليّ أمْرٍ مِن أمُورِ الْمُسْلِمِينَ وَمَذْهَبُهُ لَا يُجَوِّزُ "شَرِكَةَ الْأبْدَانِ" فَهَل يَجُوزُ لَهُ مَنْعُ النَّاسِ؟ فَأَجَابَ: لَيْسَ لَهُ منع النَّاسِ مِن مِثْل ذَلِكَ وَلَا مِن نَظَائِرِهِ مِمَّا يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ، وَلَيْسَ مَعَهُ بِالْمَنْع نَصٌّ مِن كِتَاب وَلَا سُنَّةٍ وَلَا إجْمَاعٍ وَلَا مَا هُوَ فِي مَعْنَى ذَلِكَ، لَا سِيَّمَا وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى جَوَازِ مِثْل ذَلِكَ وَهُوَ مِمَا يَعْمَلُ بِهِ عَامَّةُ الْمُسْلِمِينَ فِي عَامَّةِ الْأمْصَارِ. اهـ. (٣٠/ ٧٩) فالشيخ في الفتوى الأولى رفع الخلاف بحكم الحاكم؛ لأنَّه من قبيل الدّعاوى والخصومات. بخلاف فتواه الثانية، حيث جعل منع الحاكم من التعاملات المالية بينهم ليس من حقّه. فما له علاقة بالاعتقاد، أو العبادات المحضة: كالطّهارة، والصّلاة، والصّيام، أو المعاملات الشخصية، فحكمُ الحاكم في هذه المسائل غيرُ ملزِمٍ، ولا يرفع الخلاف. ومن الأمثلة على ذلك: لو اختار الحاكم جلدَ شارب الخمر أربعين جلدةً، لا ثمانين، فليس لأحدٍ أن يزيدَ على ما اختاره وأدّاه إليه اجتهادُه؛ لأن ذلك يُحدِث المشاحّة والخصومة بين المسلمين، وهو ما وُضِع إلّا لرفع ذلك. وكذا لو اختار الحاكمُ أنّ الحضانة للجدّة بعد الأمّ، فليس لأحد أن يعمل بخلاف ذلك؛ لأنَّه لو خالفه لحدث من جرّاء ذلك بلبلة وفتنة، فالأمر متعلّق بالحقوق. أو اختار أنّ الرّهن يلزم بالقبض دون مجرّد العقد، فلا ينبغي مخالفتُه؛ لأنّ ذلك يُفضِي إلى حدوث الخصومة والشّقاق بين المسلمين. أمّا مسائل الاعتقاد، والعبادات المحضة فلا يرفع حكمُ الحاكم الخلافَ فيها، ولا يلزمُ النّاسَ اتّباعُه فيما ذهب إليه وتبنّاه، ولا يصح له أن يُجبِرهم أن يأخذوا بقوله. وإليك مثالا نعيشه كلّ عام، وهو صدقة الفطر: فليس لوليّ الأمر أن يُلزِم النّاس بإخراج زكاة الفطر نقدًا أو قوتًا، حتى ولو اعتقد صحّة أحدِ القولين، فله أن يعمل بذلك في نفسه، ولا يُلزم غيرَه بذلك؛ لأن صدقة الفطر من جملة العبادات، وليست من الأمور التّنظيميّة الّتي تحدث بسبب تعطيلها خصومة. يُنظر: بحث للشيخ: عبد الحليم توميات، في موقعه.