للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الِاخْتِلَافِ"، وَلَكِنْ سَمِّهِ "كتَابَ السُّنَّةِ" (١).

وَلهَذَا كَانَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ يَقُولُ: إجْمَاعُهُم حُجَّةٌ قَاطِعَةٌ، وَاخْتِلَافُهُم رَحْمَةٌ وَاسِعَةٌ.

وَكَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَقُولُ: مَا يَسرُّنِي أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- لَمْ يَخْتَلِفوا، لِأَنَّهُم إذَا اجْتَمَعُوا عَلَى قَوْلٍ فَخَالَفَهُم رَجُلٌ كَانَ ضَالًا، وَإِذَا اخْتَلَفُوا فَأَخَذَ رَجُلٌ بِقَوْلِ هَذَا وَرَجُلٌ بِقَوْلِ هَذَا كَانَ فِي الْأَمْرِ سَعَةٌ.

وَكَذَلِكَ قَالَ غَيْرُ مَالِكٍ (٢) مِن الْأَئِمَّةِ: لَيْسَ لِلْفَقِيهِ أَنْ يَحْمِلَ النَّاسَ عَلَى مَذْهَبِهِ.

وَلهَذَا قَالَ الْعُلَمَاءُ الْمُصَنِّفُونَ فِي الأمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَن الْمُنْكَرِ مِن أَصْحَاب الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ: إنَّ مِثْل هَذِهِ الْمَسَائِلِ الِاجْتِهَادِيَّةِ لَا تُنْكَرُ بِالْيَدِ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَن يُلْزِمَ النَّاسَ بِاتِّباعِهِ فِيهَا، وَلَكِنْ يَتَكَلَّمُ فِيهَا بِالْحُجَجِ الْعِلْمِيَّةِ، فَمَن تبَيَّنَ لَهُ صِحَّةُ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ تَبِعَهُ، وَمَن قَلَّدَ أَهْلَ الْقَوْلِ الْآخَرِ فَلَا إنْكَارَ عَلَيْهِ (٣). [٣٠/ ٧٩ - ٨٠]

* * *


(١) لعل الصواب: (السعة)، كما ذكر ذلك في (١٤/ ١٥٩).
(٢) لعل الصواب: (غيرُ واحد)؛ لأنه أنسب للسياق، ولأنه المعهود من كلام شيخ الإسلام، ولأنه لم يجر لمالك ذكر، وهذه المقولة نسبها شيخ الإسلام للإمام أحمد كما في كتابه: إقامة الدليل على إبطال التحليل (٥/ ٤١٢).
(٣) قاعدة حكم الحاكم يرفع الخلاف وردت كثيرًا في كتب أهل العلم، ومعناها: أنّ وليّ الأمر- سواء أريد به القاضي أو السّلطان- إذا تبنّى رأيًا من الآراء الاجتهاديّة في الشريعة- ولو كان اختيارُه مرجوحًا- فإنه يرتفع به النّزاع بين الناس، ويلزمهم العمل بالقول الّذي اختاره وارتضاه.
فهذا القولُ صحيحٌ، ولكنّه ليس على إطلاقه:
فحكم الحاكم يرفع الخلافَ فيما تجري فيه الدّعاوى والخصومات فحسب (أي: الأمور التّنظيميّة)؛ كالحقوق، والجنايات، والحدود، ونحوها.
ومما يدل على ذلك فول الشيخ رحمه الله: ضَمَانُ السُّوقِ- وَهُوَ أَنْ يَضْمَنَ الضَّامِنُ مَا يَجِبُ عَلَى التَّاجِرِ مِن الدُّيُونِ وَمَا يَقْبِضُة مِن الْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ-: ضَمَانٌ صَحِيحٌ. =

<<  <  ج: ص:  >  >>