للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بَيْنَ النَّاسِ إذَا عَلِمَ اللهُ مِن قَلْبِهِ أَنَّهُ يَفْعَلُهُ سِرًّا للهِ، مَعَ اجْتِهَادِهِ فِي سَلَامَتِهِ مِن الرِّيَاءِ وَمُفْسِدَاتِ الْإِخْلَاصِ؛ وَلهَذَا قَالَ الْفُضَيْل بْنُ عِيَاضٍ: تَرْكُ الْعَمَلِ لِأَجْلِ النَّاسِ رِياءٌ، وَالْعَمَلُ لِأَجْلِ النَّاسِ شِرْكٌ.

وَمَن نَهَى عَن أَمْرٍ مَشْرُوعٍ بِمُجَرَّدِ زَعْمِهِ أَنَّ ذَلِكَ رَياءٌ فَنَهْيُهُ مَرْدُودٌ عَلَيْهِ مِن وُجُوهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ الْأَعْمَالَ الْمَشْرُوعَةَ لَا يُنْهَى عَنْهَا خَوْفًا مِن الرِّيَاءِ؛ بَل يُؤْمَرُ بِهَا وَبِالْإِخْلَاصِ فِيهَا.

وَنَحْنُ إذَا رَأَيْنَا مَن يَفْعَلُهَا أَقْرَرْنَاهُ وَإِن جَزَمْنَا أَنَّهُ يَفْعَلُهَا رَياءً؛ فَالْمُنَافِقُونَ الَّذِينَ قَالَ اللهُ فِيهِمْ: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (١٤٢)} [النساء: ١٤٢]، فَهَؤُلَاءِ كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- وَالْمُسْلِمُونَ يُقِرُّونَهُم عَلَى مَا يُظْهِرُونَهُ مِن الدِّينِ وَإِن كَانُوا مُرَائِينَ وَلَا يَنْهَوْنَهُم عَن الظَّاهِرٍ؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ فِي تَرْكِ إظْهَارِ الْمَشْرُوعِ أَعْظَمُ مِن الْفَسَادِ فِي إظْهَارِهِ رِياءً، كَمَا أنَّ فَسَادَ تَرْكِ إظْهَارِ الْإِيمَانِ وَالصَّلَوَاتِ أَعْظَمُ مِن الْفَسَادِ فِي إظْهَارِ ذَلِكَ رَياءً؛ وَلِأَنَّ الْإِنْكَارَ إنَّمَا يَقَعُ عَلَى الْفَسَادِ فِي إظْهَارِ ذَلِكَ رِئَاءَ النَّاسِ. [٢٣/ ١٧٤ - ١٧٦]

* * *

<<  <  ج: ص:  >  >>