للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يُبْعَثُ بِقَضِيبِ الْأَدَب وَهُوَ السَّيْفُ، وَأَخْبَرَ الْمَسِيحُ أَنَّهُ يَجِيءُ بِالْبَيَّنَاتِ وَالتَّأْوِيلِ، وَأَنَّ الْمَسِيحَ جَاءَ بِالأَمْثَالِ.

وَهَذَا بَابٌ يَطُولُ شَرْحُهُ.

وَإِنَّمَا نَبَّهَ الدَّاعِي (١) لِعَظِيمِ مِلَّتِهِ وَأَهْلِهِ (٢) لما بَلَغَنِي مَا عِنْدَهُ مِن الدِّيَانَةِ وَالْفَضْلِ وَمَحَبَّةِ الْعِلْمِ وَطَلَبِ الْمُذَاكَرَةِ، وَرَأَيْت الشَّيْخَ أَبَا الْعَبَّاسِ المقدسي (٣) شَاكِرًا مِن الْمَلِكِ: مِن رِفْقِهِ وَلُطْفِهِ وَإِقْبَالِهِ عَلَيْهِ وَشَاكِرًا مِن الْقِسِّيسِينَ وَنَحْوِهِمْ.

وَنَحْنُ قَوْمٌ نُحِبُّ الْخَيْرَ لِكُلِّ أَحَدٍ، وَنُحِبُّ أَنْ يَجْمَعَ اللهُ لَكُمْ خَيْرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ (٤).

وَلَمَّا قَدِمَ مُقَدَّمُ الْمَغُولِ غازان وَأَتْبَاعُهُ إلَى دِمَشْقَ، وَكَانَ قَد انْتَسَبَ إلَى الْإِسْلَامِ، لَكِنْ لَمْ يَرْضَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالْمُومِنُونَ بِمَا فَعَلُوهُ؛ حَيْثٌ لَمْ يَلْتَزِمُوا دِينَ اللهِ، وَقَد اجْتَمَعَتُ بِهِ وَبِأُمَرَائِهِ وَجَرَى لِي مَعَهُم فُصُولٌ يَطُولُ شَرْحُهَا لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ قَد بَلَغَت الْمَلِكَ؛ فَأَذَلَّهُ اللهُ وَجُنُودَهُ لَنَا، حَتَّى بَقِينَا نَضْرِبُهُم بِأَيْدِينَا وَنَصْرُخُ فِيهِمْ بِأَصْوَاتِنَا، وَكَانَّ مَعَهُم صَاحِبَ سيسَ (٥) مِثْلُ أَصْغَرِ غُلَامٍ يَكُونُ، حَتَّى كَانَ بَعْض الْمُؤَذِّنِينَ الَّذِينَ مَعَنَا يَصْرُخُ عَلَيْهِ وَيَشْتُمُهُ وَهُوَ لَا يَجْتَرِئُ أَنْ يُجَاوِبَهُ، حَتَّى إنَّ وُزَرَاءَ غازان ذَكَرُوا مَا يَنُمُّ عَلَيْهِ مِن فَسَادِ النِّيَّةِ لَهُ (٦)، وَكُنْتُ حَاضِرًا لَمَّا جَاءَت رُسُلُكُمْ إلَى نَاحِيَةِ السَّاحِلِ، وَأَخْبَرَنِي التَّتَارُ بِالْأمْرِ الَّذِي أَرَادَ صَاحِبُ سِيسَ أَنْ يَدْخُلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ فِيهِ، حَيْثُ مَنَّاكُمْ بِالْغُرُورِ، وَكَانَ التّتَارُ مِن أَعْظَمِ النَّاسِ شَتِيمَة لِصَاحِبِ سِيسَ وَإِهَانَة لَهُ.


(١) يعني: نفسه.
(٢) يعني: الملك.
(٣) أحد الأسرى عند هذا الملك، وقد أطلق سراحه بشفاعة أو فدية.
(٤) هكذا هم أهل السُّنَّة والجماعة، رحماء يُحبون الهداية للناس، ويتمنون أن يموتوا على الإسلام، ويرفقون في كلامهم مع غير المسلمين، ما لم تقتض المصلحةُ الغلظة معهم.
(٥) يظهر أنه من النصارى، قاتل مع التتار ضد المسلمين.
(٦) أي: لصَاحِب سيسَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>