للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عَلَى قَوْلَيْنِ مَعْرُوفَيْنِ:

والْأوَّلُ: هُوَ الْمَأثُورُ عَن السَّلَفِ، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ خَلْقِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ عَن الْعُلَمَاءِ مُطْلَقًا وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ نِزَاعًا.

وَذَهَبَ آخَرُونَ مِن أَهْلِ الْكَلَامِ: الْجَهْمِيَّة وَأَكْثَرِ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْأَشْعَرِيَّةِ إلَى أَنَّ الْخَلْقَ هُوَ نَفْسُ الْمَخْلُوقِ، وَلَيْسَ للهِ عِنْدَ هَؤُلَاءِ صُنْعٌ، وَلَا فِعْلٌ، وَلَا خَلْقٌ، وَلَا إبْدَاعٌ، إلَّا الْمَخْلُوقَاتِ أَنْفُسَهَا، وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِن الْفَلَاسِفَةِ الْمُتَأَخِّرِينَ.

الْأَصْلُ الثانِي الَّذِي تُبْنَى عَلَيْهِ أَفْعَالُ الرَّبِّ تَعَالَى اللَّازِمَةُ وَالْمُتَعَدِّيَةُ: أَنَّهُ سُبْحَانَهُ هَل تَقُومُ بِهِ الْأُمُورُ الِاخْتِيَارِيَّةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِقُدْرَيهِ وَمَشِيئَتِهِ أَمْ لَا؟

فَمَذْهَبُ السَّلَفِ وَأَئِمَّةِ الْحَدِيثِ وَكَثِيرٍ مِن طَوَائِفِ الْكَلَامِ وَالْفَلَاسِفَةِ جَوَازُ ذَلِكَ.

وَذَهَبَ نفاة الصِّفَاتِ مِن الْجَهْمِيَّة وَالْمُعْتَزِلَةِ وَالْفَلَاسِفَةِ والْكُلَّابِيَة مِن مُثْبِتَةِ الصِّفَاتِ إلَى امْتِنَاعِ قِيَامِ ذَلِكَ بِهِ.

وَمِن تَمَامِ الْأَصْلِ الثانِي: لَفْظُ "الْحَرَكَةِ" .. الَّتِي تَتَنَاوَلُ مَا يَقُومُ بِذَاتِ الْمَوْصُوفِ مِن الْأُمُورِ الِاخْتِيَارِيَّةِ؛ كَالْغَضَبِ وَالرضى وَالْفَرَحِ وَكَالدُّنُوِّ وَالْقُرْبِ وَالِاسْتِوَاءِ وَالنُّزُولِ؛ بَل وَالْأَفْعَالُ الْمُتَعَدِّيَةُ؛ كَالْخَلْقِ وَالْإِحْسَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، هَل يُوصَفُ اللهُ بِهَا أَمْ يَجِبُ نَفْيُهُ عَنْهُ؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ:

أَحَدُهَا: قَوْلُ مَن يَنْفِي ذَلِكَ مُطْلَقًا وَبِكُل مَعْنًى، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُومَ بِالرَّبِّ شَيْءٌ مِن الْأمُورِ الِاخْتِيَاريَّةِ، فَلَا يَرْضَا عَلَى أَحَدٍ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكن رَاضِيًا عَنْهُ، وَلَا يَغْضَبُ عَلَيْهِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُن غَضْبَانَ، وَلَا يَفْرَحُ بِالتَّوْبَةِ بَعْدَ التَّوْبَةِ، وَلَا يَتَكَلَّمُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتهِ إذَا قِيلَ إنَّ ذَلِكَ قَائِمٌ بِذَاتِهِ.

وَهَذَا الْقَوْلُ أَوَّلُ مَن عُرِفَ بِهِ هُم الْجَهْمِيَّة وَالْمُعْتَزِلَةُ، وَانْتَقَلَ عَنْهُم إلَى الْكُلَّابِيَة وَالْأَشْعَرِيَّةِ والسالمية، وَمَن وَافَقَهُم مِن أَتْبَاعِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: إثْبَاتُ ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ الهشامية والكَرَّامِيَة وَغَيْرِهِمْ مِن طَوَائِفِ أَهْلِ الْكَلَامِ الَّذِينَ صَرَّحُوا بِلَفْظِ الْحَرَكَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>