للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

فَالسَّفَرُ حَالٌ مِن أَحْوَالِ السَّيْرِ لَا يُحَدُّ بِمَسَافَةٍ وَلَا زَمَانٍ، وَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَذْهَبُ إلَى قُبَاء كُلَّ سَبْتٍ رَاكِبًا وَمَاشِيًا وَلَمْ يَكن مُسَافِرًا، وَكَانَ النَّاسُ يَأْتُونَ الْجُمُعَةَ مِنَ الْعَوَالِي وَالْعَقِيقِ ثُمَّ يُدْرِكُهُم اللَّيْلُ فِي أَهْلِهِمْ وَلَا يَكُونُونَ مُسَافِرِينَ، وَأَهْلُ مَكَّةَ لَمَّا خَرَجُوا إلَى مِنَى وَعَرَفَةَ كَانُوا مُسَافِرِينَ يَتَزَوَّدُونَ لِذَلِكَ وَيَبِيتُونَ خَارجَ الْبَلَدِ وَيَتَأَهَّبُونَ أُهْبَةَ السَّفَرِ، بِخِلَافِ مَن خَرَجَ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ أَو غَيْرِهَا مِنَ الْحَاجَاتِ ثُمَّ رَجَعَ مِن يَوْمِهِ وَلَو قَطَعَ بَرِيدًا، فَقَد لَا يُسَمَّى مُسَافِرًا.

وَمَا زَالَ النَاسُ يَخْرُجُونَ مِن مَسَاكِنِهِمْ إلَى الْبَسَاتِينِ الَّتِي حَوْلَ مَدِينَتِهِمْ، ويعْمَلُ الْوَاحِد فِي بُسْتَانِهِ أَشْغَالًا مِن غَرْسٍ وَسقْيٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ كَمَا كَانَتِ الْأَنْصَارُ تَعْمَلُ فِي حِيطَانِهِمْ وَلَا يُسَمَّوْنَ مُسَافِرِينَ.

وَلَو أَقَامَ أَحَدُهُم طُولَ النَّهَارِ وَلَو بَاتَ فِي بُسْتَانِهِ وَأَقَامَ فِيهِ أَيَّامًا، وَلَو كَانَ الْبُسْتَانُ أَبْعَدَ مِن بَرِيدٍ؛ فَإِنَّ الْبُسْتَانَ مِن تَوَابِعِ الْبَلَدِ عِنْدَهُمْ، وَالْخُرُوجُ إلَيْهِ كَالْخُرُوجِ إلَى بَعْضِ نَوَاحِي الْبَلَدِ.

وَالْبَلَدُ الْكَبِيرُ الَّذِي يَكُونُ أَكْثَرَ مِن بَرِيدٍ مَتَى سَارَ مِن أَحَدِ طَرَفَيْهِ إلَى الْآخَرِ لَمْ يَكن مُسَافِرًا.

فَالنَّاسُ يُفَرِّفونَ بَيْنَ الْمُتَنَقِّلِ فِي الْمَسَاكِنِ وَمَا يَتْبَعُهَا، وَبَيْنَ الْمُسَافِرِ الرَّاحِلِ عَن ذَلِكَ كُلِّهِ، كَمَا كَانَ أَهْلُ مَدِينَةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَذْهَبُونَ إلَى حَوَائِطِهِمْ وَلَا يَكُونُونَ مُسَافِرِينَ، وَالْمَدِينَةُ لَمْ يَكُن لَهَا سُورٌ؛ بَل كَانَت قَبَائِلَ قَبَائِلَ، وَدُورًا دُورًا، وَبَيْنَ جَانِبَيْهَا مَسَافَةٌ كَبِيرَةٌ، فَلَمْ يَكُنِ الرَّاحِلُ مِن قَبِيلَةٍ إلَى قَبِيلَةٍ مُسَافِرًا، وَلَو كَانَ كُلُّ قَبِيلَةٍ حَوْلَهُم حِيطَانُهُم وَمَزَارِعُهُمْ، فَإِنَّ اسْمَ الْمَدِينَةِ كَانَ يَتَنَاوَلُ هَذَا كُلَّهُ (١).


(١) مثال ذلك: لو أن رجلًا ذهب إلى مكان قرب مدينته للتنزه ونحوه، كروضة السبلة لأهل الزلفي، ومكث فيها أيامًا لا يرجع إلى أهله، فلا يترخص برخص السفر؛ لأنها داخلة حكمًا في المدينة.

<<  <  ج: ص:  >  >>