للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

صِحَّتِهِ، تَلَقَّتْهُ الْأُمَّةُ بِالْقَولِ وَالتَّصْدِيقِ، مَعَ أَنَّهُ مِن غَرَائِبِ الصَّحِيحِ، فَإِنَّهُ وَإِن كَانَ قَد رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- مِن طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ، كَمَا جَمَعَهَا ابْنُ منده وَغَيْرُهُ مِنَ الْحُفَّاظِ، فَأَهْلُ الْحَدِيثِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهَا إلَّا مِن طَرِيقِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- هَذِهِ الْمَذْكُورَةِ، وَلَمْ يَرْوِهِ عَنْهُ إلَّا عَلْقَمَةُ بْنُ وَقَّاصٍ الليثي، وَلَا عَن عَلْقَمَةَ إلَّا مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، وَلَا عَن مُحَمَّدٍ إلَّا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ قَاضِي الْمَدِينَةِ، وَرَوَاهُ عَن يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَئِمَّةُ الْإِسْلَامِ.

لَفْظُ "النِّيَّةِ" فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مِن جِنْسِ لَفْظِ الْقَصْدِ وَالْإِرَادَةِ.

وَقَد تَنَازَعَ النَّاسُ فِي قَوْلِهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ": هَل فِيهِ إضْمَارٌ أَو تَخْصِيصٌ؟ أو هوَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَعُمُومِهِ؟

فَذَهَبَ طَائِفَةٌ مِنَ الْمُتَأخِّرِينَ إلَى الْأَوَّلِ.

وَقَالَ الْجُمْهُورُ: بَلِ الْحَدِيثُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَعُمُومِهِ، فَإِنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِالنياتِ فِيهِ الْأعْمَالَ الصَّالِحَةَ وَحْدَهَا؛ بَل أَرَادَ النِّيَّةَ الْمَحْمُودَةَ وَالْمَذْمُومَةَ، وَالْعَمَلَ الْمَحْمُودَ وَالْمَذْمُومَ.

وَلَفْظُ النِّيَّةِ يُرَادُ بِهَا النَّوْعُ مِنَ الْمَصْدَرِ، ويُرَادُ بِهَا الْمَنْوِيُّ، وَاسْتِعْمَالُهَا فِي هَذَا لَعَلَّهُ أَغْلَبُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، فَيَكُونُ الْمُرَادُ: إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِحَسَبِ مَا نَوَاهُ الْعَامِلُ؛ أَيْ: بِحَسَبِ مَنْوِيِّهِ.

وَلَفْظُ النِّيَّةِ يَجْرِي فِي كَلَامِ الْعُلَمَاءِ عَلَى نَوْعَيْنِ:

أ- فَتَارَةً يُرِيدُونَ بِهَا تَمْيِيزَ عَمَلٍ مِن عَمَلٍ، وَعِبَادَةٍ مِن عِبَادَةٍ (١).

ب- وَتَارَةً يُرِيدُونَ بِهَا تَمْيِيزَ مَعْبُودٍ عَن مَعْبُودٍ، وَمَعْمُولٍ لَهُ عَن مَعْمُولٍ لَهُ (٢).


(١) وهذا يتكلم عنه الفقهاء.
(٢) وهذا يتكلم عنه العلماء في كتب العقيدة.

<<  <  ج: ص:  >  >>