إلَى الْمَالِكِ شَيْئًا، أَو يُهْدِيَ الْفَلَّاحُ غَنَمًا أَو دَجَاجًا أَو غَيْرَ ذَلِكَ: فَهَذَا بِمَنْزِلَةِ إهْدَاءِ الْمُقْتَرِضِ مِن الْمُقْرِضِ، يُخَيَّرُ الْمَالِكُ فِيهَا:
أ - بَيْنَ الرَّدِّ.
ب - وَبَيْنَ الْقَبُولِ وَالْمُكَافَأَةِ عَلَيْهَا بِالْمَثَلِ.
ج - وَبَيْنَ أَنْ يَحْسِبَهَا لَهُ مِن نَصِيبِهِ مِن الرِّبْحِ إذَا تَقَاسَمَا كَمَا يَحْسِبُهُ مِن أَصْلِ الْقَرْضِ.
وَلَو قَالَ لَهُ وَقْتَ الْقَرْض: أَنَا أُعْطِيك مِثْلَهُ وَهَذِهِ الْهَدِيَّةَ: لَمْ يَجُزْ بِالْإِجْمَاعِ، فَإِذَا أَعْطَاهُ قَبْلَ الْوَفَاءِ الْهَدِيَّةَ الَّتِي هِيَ مِن أَجْلِ الْقَرْضِ عَلَى أَنْ يُوَفِّيَهُ مَعَهَا مِثْل الْقَرْضِ كَانَ ذَلِكَ مُعَاقَدَةً عَلَى أَخْذِ أَكْثَر مِن الْأَصْلِ.
وَلهَذَا لَو أَهْدَى إلَيْهِ عَلَى الْعَادَةِ الْجَارِيةِ بَيْنَهُمَا قَبْلَ الْقَرْضِ لَمْ يَكُن كَذَلِكَ.
وَهَكَذَا الْأَمْرُ فِي الْمُشَارَكَةِ: فَإِنَّهُ إذَا قَبِلَ هَدِيَّةَ الْعَامِلِ وَنَفْعَهُ الَّذِي إنَّمَا بَذَلَهُ لِأَجْلِ الْمُضَارَبَةِ وَالْمُزَارَعَةِ بِلَا عِوَضٍ مَعَ اشْتِرَاطِهِ النَّصِيبَ مِن الرِّبْحِ: كَانَ هَذَا الْقَبُولُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ مُعَاقَدَةً عَلَى أَنْ يَأْخُذَ مَعَ النَّصِيبِ الشَّائِعِ شَيْئًا غَيْرَهُ؛ بِمَنْزِلَةِ زَرْعِ مَكَانٍ مُعَيَّنٍ، وَقَد لَا يَحْصُلُ رِبْحٌ فَيَكُونُ الْعَامِلُ مَقْهُورًا مَظْلُومًا؛ وَلهَذَا يَطْلُبُ الْعَامِلُ بَدَلَ هَدِيَّتِهِ وَيَحْتَسِبُ بِهَا عَلَى الْمَالِكِ، فَإِنْ لَمْ يُعَوِّضْهُ عَنْهَا وَإِلَّا خَانَهُ فِي الْمَالِ.
وَقَوْلُ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "أفَلَا قَعَدَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأمِّهِ فَيَنْظُرُ أَيُهْدَى إلَيْهِ أَمْ لَا؟ " (١): يَتَنَاوَلُ هَذِهِ الْمَعَانِيَ جَمِيعَهَا؛ فَإِنَّ الْهَدِيَّةَ إذَا كَانَت لِأَجْلِ سَبَبٍ مِن الْأَسْبَابِ كَانَت مَقْبُوضَةً بِحُكْمِ ذَلِكَ السَّبَبِ كَسَائِرِ الْمَقْبُوضِ بِهِ؛ فَإِنَّ الْعَقْدَ الْعُرْفِيَّ كَالْعِقْدِ اللَّفْظِيِّ.
(١) رواه البخاري (٦٦٣٦)، ومسلم (١٨٣٢).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute