للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

مِن أَمِيرٍ لَمْ يُحْتَجْ إلَى اثْنَيْنِ، وَمَتَى لَمْ تُقَمْ (١) إلَّا بِعَدَد وَمِن غَيْرِ سُلْطَانٍ أقِيمَتْ، إذَا لَمْ يَكُن فِي إقَامَتِهَا فَسَادٌ يَزِيدُ عَلَى إضَاعَتِهَا؛ فَإِنَّهَا مِن بَاب الْأمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَن الْمُنْكَرِ، فَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ مِن فَسَادِ وُلَاةِ الْأَمْرِ أَو الرَّعِيَّةِ مَا يَزِيدُ عَلَى إضَاعَتِهَا لَمْ يُدْفَعْ فَسَاد بِأَفْسَدَ مِنْهُ (٢). [٣٤/ ١٧٥ - ١٧٦]

٤٨٥٧ - وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [النساء: ٥٨]؛ فَإِنَ الْحُكْمَ بَيْنَ النَّاسِ يَكونُ فِي الْحُدُودِ وَالْحُقُوقِ، وَهُمَا قِسْمَانِ:

فَالْقِسْمُ الْأوَلُ: الْحُدُودُ وَالْحُقُوقُ الَّتِي لَيْسَتْ لِقَوْمٍ مُعَيَّنِينَ؛ بَل مَنْفَعَتُهَا لِمُطْلَقِ الْمُسْلِمِينَ أَو نَوْعٍ مِنْهُمْ، وَكُلُّهُم مُحْتَاج إلَيْهَا، وَتُسَمَّى حُدُودَ اللهِ وَحُقُوقَ اللهِ، مِثْل حَدِّ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَالسُّرَّاقِ وَالزُّنَاةِ وَنَحْوِهِمْ، وَمِثْل الْحُكْم فِي الْأَمْوَالِ السُّلْطَانِيَّةِ وَالْوُقُوفِ وَالْوَصَايَا الَّتِي لَيْسَتْ لِمُعَيَّنٍ، فَهَذِهِ مِن أَهَمِّ امُورِ الْوِلَايَاتِ.

وَهَذَا الْقِسْمُ يَجِبُ عَلَى الْوُلَاةِ الْبَحْثُ عَنْهُ وَإِقَامَتُهُ مِن غَيْرِ دَعْوَى أَحَدٍ بِهِ، وَكَذَلِكَ تُقَامُ الشَّهَادَةُ فِيهِ مِن غَيْرِ دَعْوَى أَحَدٍ بِهِ.

وَهَذَا الْقِسْمُ يَجِبُ إقَامَتُهُ عَلَى الشَّرِيفِ وَالْوَضِيعِ وَالضَّعِيفِ، وَلَا يَحِلُّ تَعْطِيلُهُ لَا بِشَفَاعَة وَلَا بِهَدِيَّة وَلَا بِغَيْرِهِمَا، وَلَا تَحِلُّ الشَّفَاعَةُ فِيهِ، وَمَن عَطَّلَهُ لِذَلِكَ -وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى إقَامَتِهِ- فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يَقْبَلُ اللهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا، وَهُوَ مِمَّن اشْتَرَى بِآيَاتِ اللهِ ثَمَنًا قَلِيلًا.

رَوَى مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّأ": أَنَّ جَمَاعَةً أَمْسَكوا لِصًّا لِيَرْفَعُوة إلَى عُثْمَانَ -رضي الله عنه- فَتَلَقَّاهُم الزُّبَيْرُ فَشَفَعَ فِيهِ فَقَالُوا: إذَا رُفِعَ إلَى عُثْمَانَ فَاشْفَعْ فِيهِ عِنْدَهُ فَقَالَ: "إذَا بَلَغَت الْحُدُودُ السُّلْطَانَ فَلَعَنَ اللهُ الشَّافِعَ وَالْمُشَفَّعَ".


(١) أي: الواجبات.
تنبيه: في الأصل: (يَقُمْ)، ولعل المثبت هو الصواب.
(٢) كلامٌ يُكتب بماء الذهب، فليس من الحكمة إقامة الحدود، وتطبيق كامل الشريعة إذا ترتب على ذلك فساد كبير.

<<  <  ج: ص:  >  >>