للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

٣٠٦٤ - كَثِيرًا مَا يَضِيعُ الْحَقُّ بَيْنَ الْجُهَّالِ الْأُمِّيِّينَ، وَبَيْنَ الْمُحَرِّفِينَ لِلْكَلِمِ الَّذِينَ فِيهِمْ شُعْبَةُ نِفَاقٍ.

إلَّا أَنَّ هَذَا الدِّينَ مَحْفُوظٌ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (٩)} [الحجر: ١٩] وَلَا تَزَالُ فِيهِ طَائِفَةٌ قَائِمَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى الحَقِّ.

فَلَمْ يَنَلْهُ مَا نَالَ غَيْرَهُ مِن الْأَدْيَانِ مِن تَحْرِيفِ كُتُبِهَا، وَتَغْيِيرِ شَرَائِعِهَا مُطْلَقًا؛ لِمَا يُنْطِقُ الله بِهِ الْقَائِمِينَ بِحُجَّةِ اللهِ وَبَيِّنَاتِهِ، الَّذِينَ يُحْيُونَ بِكِتَابِ اللهِ الْمَوْتَى، ويُبَصِّرُونَ بِنُورِهِ أَهْلَ الْعَمَى، فَإِنَّ الْأَرْضَ لَنْ تَخْلُوَ مِن قَائِمٍ للهِ بِحُجَّة؛ لِكَيْلَا تَبْطُلَ حُجَجُ اللهِ وَبَيِّناتُهُ.

وَكَانَ مُقْتَضَى تَقْدِيمِ هَذِهِ "الْمُقَدِّمَةِ" (١) أَنِّي رَأَيْت النَّاسَ فِي شَهْرِ صَوْمِهِمْ وَفِي غَيْرِهِ أَيْضًا: مِنْهُم مَن يُصْغِي إلَى مَا يَقُولُهُ بَعْضُ جُهَّالِ أَهْلِ الْحِسَابِ: مِن أَنَّ الْهِلَالَ يُرَى أَو لَا يُرَى، وَيَبْنِي عَلَى ذَلِكَ إمَّا فِي بَاطِنِهِ وَإِمَّا فِي بَاطِنِهِ وَظَاهِرِهِ، حَتَّى بَلَغَنِي أَنَّ مِنَ الْقُضَاةِ مَن كَانَ يَرُدُّ شَهَادَةَ الْعَدَدِ مِنَ الْعُدُولِ لِقَوْلِ الْحَاسِبِ الْجَاهِلِ الْكَاذِبِ: إنَّهُ يُرَى أَو لَا يُرَى، فَيَكُونُ مِمَن كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ.

فَإِنَّا نَعْلَمُ بِالِاضْطِرَارِ مِن دِينِ الْإِسْلَامِ أَنَّ الْعَمَلَ فِي رُؤَيةِ هِلَالِ الصَّوْمِ أَو الْحَجِّ أو الْعِدَّةِ أَو الْإِيلَاءِ أَو غَيْرِ ذَلِكَ مِن الْأَحْكَامِ الْمُعَلَّقَةِ بِالْهِلَالِ بِخَبَرِ الْحَاسِبِ أَنَّهُ يُرَى أَو لَا يُرَى لَا يَجُوزُ، وَالنُّصُوصُ الْمُسْتَفِيضَةُ عَن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- بِذَلِكَ كَثِيرَةٌ.

وَقَدّ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ، وَلَا يُعْرَفُ فِيهِ خِلَافٌ قَدِيمٌ أَصْلًا، وَلَا


(١) التى ذكر فيها أن الله تعالى أكمل لنا الدين، وأمرنا ألا نتفرق، ونهانا عن الأخذ من الجهال وأهل الأهواء.

<<  <  ج: ص:  >  >>