فَأَمَّا إنْ وَقَعَ مَبْدَأُ الْحُكْمِ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ: فَقَد قِيلَ: تُحْسَبُ الشُّهُورُ كُلُّهَا بِالْعَدَدِ.
وَقِيلَ: بَل يُكْمِلُ الشَّهْرَ بِالْعَدَدِ وَالْبَاقِيَ بِالْأهِلَّةِ.
ثُمَّ لِهَذَا الْقَوْلِ تَفْسِيرَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَجْعَلُ الشَّهْرَ الْأَوَّلَ ثَلَاثينَ يَوْمًا وَبَاقِيَ الشُّهُورِ هِلَاليَّةً.
وَالتَّفْسِيرُ الثَّانِي هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ عَمَلُ الْمُسْلِمِينَ قَدِيمًا وَحَدِيثًا: أَنَّ الشَّهْرَ الْأَوَّلَ إنْ كَانَ كَامِلًا كمُلَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا، وَإِن كَانَ نَاقِصًا جُعِلَ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا.
فَمَتَى كَانَ الْإِيلَاءُ فِي مُنْتَصَفِ الْمُحَرَّمِ: كَمُلَت الْأَشْهُرُ الْأَرْبَعَةُ فِي مُنْتَصَفِ جُمَادَى الْأولَى، وَهَكَذَا سَائِرُ الْحِسَابِ.
وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَالْجَمِيعُ بالْهِلَالِ وَلَا حَاجَةَ إلَى أنْ نَقُولَ بِالْعَدَدِ؛ بَل نَنْظُرُ الْيَوْمَ الَّذِي هُوَ الْمَبْدَأُ مِن الشَّهْرِ الأوَّلِ، فَتكُونُ النِّهَايَةُ مِثْلَهُ مِن الشَّهْرِ اْلآخَرِ.
فَإِنْ كَانَ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِن الشَّهْرِ الْأوَّلِ كَانَت النهَايَةُ فِي مِثْل تِلْكَ السَّاعَةِ بَعْدَ كَمَالِ الشُّهُورِ، وَهُوَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ بَعْدَ انْسِلَاخِ الشُّهُورِ.
وَإِن كَانَ فِي الْيَوْمِ الْعَاشِرِ مِن الْمُحَرَّمِ كَانَت النِّهَايَةُ فِى الْيَوْمِ الْعَاشِرِ مِن الْمُحَرَّمِ أَو غَيْرِهِ عَلَى قَدْرِ الشُّهُورِ الْمَحْسُوبَةِ.
وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا مَحِيدَ عَنْهُ، وَدَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: {قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ} [البقرة: ١٨٩] فَجَعَلَهَا مَوَاقِيتَ لِجَمِيعِ النَّاسِ مَعَ عِلْمِهِ سُبْحَانَهُ أَنَّ الَّذِي يَقَعُ فِي أَثْنَاءِ الشُّهُورِ أَضْعَافُ أَضْعَافِ مَا يَقَعُ فِي أَوَائِلهَا، فَلَو لَمْ يَكُن مِيقَاتًا إلَّا لِمَا يَقَعُ فِي أَوَّلهَا لَمَا كَانَت مِيقَاتًا إلَّا لِأَقَلَّ مِن ثُلُثِ عُشْرِ أُمُورِ النَّاسِ.
وَأيْضًا: فَمَن الَّذِي جَعَلَ الشَّهْرَ الْعَدَدِيَّ ثَلَاثِينَ؟ وَالنَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكذَا وَخَنَّسَ إبْهَامَهُ فِي الثَّالِثَةِ"، وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ نِصْفَ شُهُورِ السَّنَةِ يَكُونُ ثَلَاثِينَ وَنِصْفَهَا تِسْعَةً وَعِشْرِينَ.