للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لِقُوَّةِ الْأَمْرِ فِي بَاطِنِهِ: كَانَ هَذَا مِمَّا يُعْتَبَرُ بِهِ أَمْرُ الْمَيِّتِ فِي قَبْرِهِ؛ فَإِنَّ رُوحَهُ تَقْعُدُ وَتَجْلِسُ، وَتُسْأَلُ وَتُنَعَّمُ وَتُعَذَّبُ وَتَصِيحُ، وَذَلِكَ مُتَّصِلٌ بِبَدَنِهِ، مَعَ كَوْنِهِ مُضْطَجِعًا فِي قَبْرِهِ.

وَقَد يَقْوَى الْأمْرُ حَتَّى يَظْهَرَ ذَلِكَ فِي بَدَنِهِ، وَقَد يُرَى خَارِجًا مِن قَبْرِهِ وَالْعَذَابُ عَلَيْهِ، وَمَلَائِكةُ الْعَذَابِ مُوَكَّلَةٌ بِهِ، فَيَتَحَرَّكُ بَدَنُهُ ويمْشِي وَيَخْرُجُ مِن قَبْرِهِ، وَقَد سَمِعَ غَيْرُ وَاحِدٍ أصْوَاتَ الْمُعَذَّبِينَ فِي قُبُورِهِمْ، وَقَد شُوهِدَ مَن يَخْرُجُ مِن قَبْرِهِ وَهُوَ مُعَذَّبٌ، وَمَن يَقْعدُ بَدَنُهُ أَيْضًا إذَا قَوِيَ الْأَمْرُ (١).

لَكِنَّ هَذَا لَيْسَ لَازِمًا فِي حَقِّ كُلِّ مَيِّتٍ؛ كَمَا أنَّ قُعُودَ بَدَنِ النَّائِمِ لِمَا يَرَاهُ لَيْسَ لَازِمًا لِكُلِّ نَائِمٍ؛ بَل هُوَ بِحَسَبِ قُوَّةِ الْأمْرِ.

وَقَد عُرِفَ أَنَّ أَبْدَانًا كَثِيرَةً لَا يَأكلُهَا التُّرَابُ؛ كَأبْدَانِ الْأَنْبِيَاءِ وَغَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ مِن الصِّدِّيقِينَ وَشُهَدَاءِ أحُدٍ وَغَيْرِ شُهَدَاءِ أُحُدٍ، وَالْأخْبَارُ بِذَلِكَ مُتَوَاتِرَةٌ.

لَكِنَّ الْمَقْصُودَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- مِن إقْعَادِ الْمَيِّتِ مُطْلَقًا هُوَ مُتَنَاوِلٌ لِقُعُودِهِمْ بِبَوَاطِنِهِمْ، وَإِن كَانَ ظَاهِرُ الْبَدَنِ مُضْطَجِعًا.

وَمِمَّا يُشْبِهُ هَذَا: إخْبَارُهُ -صلى الله عليه وسلم- بِمَا رَآه لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ مِن الْأَنْبِيَاءِ فِي السَّمَوَاتِ، وَأَنَّهُ رَأَى آدَمَ وَعِيسَى وَيَحْيَى ويُوسُفَ وَإِدْرِيسَ وَهَارُونَ وَمُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ، وَأَخْبَرَ أَيْضًا أَنَّهُ رَأَى مُوسَى قَائِمًا يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ، وَقَد رَآهُ أيْضًا فِي السَّمَوَاتِ.

وَمَعْلُومٌ أَنَّ أَبْدَانَ الْأنْبِيَاءِ فِي الْقُبُورِ إلَّا عِيسَى وَإِدْرِيسَ.

وَإِذَا كَانَ مُوسَى قَائِمًا يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ ثُمَ رَآهُ فِي السَّمَاءِ السَّادِسةِ مَعَ قُرْبِ الزَّمَانِ: فَهَذَا أَمْرٌ لَا يَحْصُلُ لِلْجَسَدِ.


(١) لو كان هذا الكلام من غير الشيخ وأمثاله الذين عُرفوا بتحري الصدق والأمانة لسارعنا إلى تكذيبه، واعتقدنا أن من رأى ذلك إنما رأى تخييلاتٍ أو شياطين، ولكن الشيخ صادق بار، يعرف ما يقول.

<<  <  ج: ص:  >  >>