وَقَوْلُهُ: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} إنَّمَا فَسَّرُوهُ بِأَنَّهُ ارْتَفَعَ (١): لِأَنَّهُ قَالَ قَبْلَ هَذَا؛ {أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (٩) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (١٠) ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (١١) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ} [فصلت:٩ - ١٢].
فَلَمَّا ذَكَرَ أَنَّ اسْتِوَاءَهُ إلَى السَّمَاءِ كَانَ بَعْدَ أَنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَخَلَقَ مَا فِيهَا: تَضَمَّنَ مَعْنَى الصُّعُودِ؛ لِأَنَّ السَّمَاءَ فَوْقَ الْأَرْضِ؛ فَالِاسْتِوَاءُ إلَيْهَا ارْتفَاعٌ إلَيْهَا.
فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا كَانَ إنَّمَا اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ بَعْدَ أَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ، فَقَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَكُن عَلَى الْعَرْشِ؟
قِيلَ: الِاسْتِوَاءُ عُلُوٌّ خَاصٌّ، فَكل مُسْتَوٍ عَلَى شيْء عَالٍ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ كُلُّ عَالٍ عَلَى شيْء مُسْتَوٍ عَلَيْهِ.
وَلهَذَا لَا يُقَالُ لِكُلّ مَا كَانَ عَالِيَا عَلَى غَيْرِهِ: إنَّهُ مُسْتَوٍ عَلَيْهِ، وَاسْتَوَى عَلَيْهِ.
وَلَكِنْ كُلُّ مَا قِيلَ فِيهِ إنَّهُ اسْتَوَى عَلَى غَيْرِهِ: فَإِنَّهُ عَالٍ عَلَيْهِ.
وَاَلَّذِي أَخْبَرَ اللهُ أَنَّهُ كَانَ بَعْدَ خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ: الِاسْتِوَاءُ، لَا مُطْلَقُ الْعُلُوِّ، مَعَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنَّهُ كَانَ مُسْتَوِيًا عَلَيْهِ قَبْلَ خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، لَمَّا كَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ لَمَّا خَلَقَ هَذَا الْعَالَمَ كَانَ عَالِيًا عَلَيْهِ، وَلَمْ يَكُن مُسْتَوِيًا عَلَيْهِ، فَلَمَّا خَلَقَ هَذَا الْعَالَمَ اسْتَوَى عَلَيْهِ؛ فَالْأَصْلُ أَنَّ عُلُوَّهُ عَلَى الْمَخْلُوقَاتِ وَصْفٌ لَازِمٌ لَهُ، كَمَا أنَّ عَظَمَتَهُ وَكِبْرِيَاءَهُ وَقُدْرَتَهُ كَذَلِكَ، وَأَمَّا الِاسْتِوَاءُ فَهُوَ فِعْل يَفْعَلُهُ -سبحانه وتعالي- بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتهِ. [٥/ ٥١٨ - ٥٢٣]
* * *
(١) وهذا المعنى هو الذي انتصر له الشيخ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute