للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بِمَعْنَى أَنَّهُ عَمَدَ إلَى فِعْلِهِ، وَهَذَا لَا يُعْرَفُ قَطُّ فِي اللُّغَةِ لَا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا، لَا فِي نَظْمٍ وَلَا فِي نَثْرٍ.

وَمَن قَالَ: اسْتَوَى بِمَعْنَى عَمَدَ: ذَكَرَهُ فِي قَوْلِهِ: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ} [فصلت: ١١]؛ لِأَنَّهُ عُدِّيَ بِحَرْفِ الْغَايَةِ، كَمَا يُقَالُ: عَمَدْت إلَى كَذَا وَقَصَدْت إلَى كَذَا، وَلَا يُقَالُ: عَمَدْت عَلَى كَذَا، وَلَا قَصَدْت عَلَيْهِ، مَعَ أَنَّ مَا ذُكِرَ فِي تِلْكَ الْآيَةِ لَا يُعْرَفُ فِي اللُّغَةِ أَيْضًا، وَلَا هُوَ قَوْلُ أَحَدٍ مِن مُفَسِّرِي السَّلَفِ؛ بَل الْمُفَسِّرُونَ مِن السَّلَفِ قَوْلُهُم بِخِلَافِ ذَلِكَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَن بَعْضِهِمْ.

وَإِنَّمَا هَذَا الْقَوْلُ وَأَمْثَالُهُ اُبْتُدِعَ فِي الْإِسْلَامِ لَمَّا ظَهَرَ إنْكَارُ أَفْعَالِ الرَّبِّ الَّتِي تَقُومُ بِهِ، ويفْعَلُهَا بِقُدْرَتهِ وَمَشِيئَتِهِ وَاخْتِيَارِهِ، فَحِينَئِذٍ صَارَ يُفَسِّرُ الْقُرْآنَ مَن يُفَسِّرُهُ بِمَا يُنَافِي ذَلِكَ، كَمَا يُفَسِّرُ سَائِرُ أَهْلِ الْبِدَعِ الْقُرْآنَ عَلَى مَا يُوَافِق أَقَاوِيلَهُمْ.

وَأَمَّا أَنْ ينْقَلَ هَذَا التَّفْسِير عَن أَحَدٍ مِن السَّلَفِ فَلَا؛ بَل أَقْوَالُ السَّلَفِ الثَّابِتَةُ عَنْهُم مُتَفِقَةٌ فِي هَذَا الْبَابِ، لَا يُعْرَفُ لَهُم فِيهِ قَوْلَانِ، كَمَا قَد يَخْتَلِفُونَ أَحْيَانًا فِي بَعْضِ الآَيَاتِ.

وَإِن اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُهُمْ: فَمَقْصودُهُم وَاحِدٌ، وَهُوَ إثْبَاتُ عُلُوِّ اللهِ عَلَى الْعَرْشِ.

فَإِنْ قِيلَ: إذَا كَانَ اللهُ لَا يَزَالُ عَالِيًا عَلَى الْمَخْلُوقَاتِ كَمَا تَقَدَّمَ، فَكَيْفَ يُقَالُ: ثُمَّ ارْتَفَعَ إلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ؟ أَو يُقَالُ: ثُمَّ عَلَا عَلَى الْعَرْشِ؟

قِيلَ: هَذَا كَمَا أَخْبَرَ أَنَّهُ يَنْزِلُ إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَصْعَدُ، وَرُوِيَ: "ثُمَّ يَعْرُجُ"، هُوَ سُبْحَانَهُ لَمْ يَزَلْ فَوْقَ الْعَرْشِ؛ فَإِنَّ صُعُودَهُ مِن جِنْسِ نُزُولهِ.

وَإِذَا كَانَ فِي نُزُوله لَمْ يَصِرْ شَيْءٌ مِن الْمَخْلُوقَاتِ فَوْقَهُ: فَهُوَ سُبْحَانَهُ يَصْعَدُ وَإِن لَمْ يَكُن مِنْهَا شَيْءٌ فَوْقَهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>