اسْتَوَيْت عَلَى ظَهْرِ الْفَرَسِ، بِمَعْنَى عَلَوْت عَلَيْهِ، وَاسْتَوَيْت عَلَى سَقْفِ الْبَيْتِ بِمَعْنَى عَلَوْت عَلَيْهِ .. وَقَالَ: {اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} بِمَعْنَى: عَلَا عَلَى الْعَرْشِ.
وَقَوْلُ الْحَسَنِ وَقَوْلُ مَالِكٍ: مِن أَنْبَلِ جَوَابٍ وَقَعَ فِي هَذِهِ الْمَسْألَةِ، وَأَشَدِّهِ اسْتِيعَابًا؛ لِأَنَّ فِيهِ نَبْذَ التَّكْيِيفِ، وَإِثْبَاتَ الِاسْتِوَاءِ الْمَعْقُولِ، وَقَد ائْتَمَّ أَهْلُ الْعِلْمِ بِقَوْلِهِ، واستجودوه وَاسْتَحْسَنُوهُ.
ثُمَّ تَكَلَّمَ عَلَى فَسَادِ قَوْلِ مَن تَأَوَّلَ اسْتَوَى بِمَعْنَى اسْتَوْلَى.
وَقَالَ الثَّعْلَبِيُّ وَقَالَ الْكَلْبِيُّ وَمُقَاتِلٌ: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ (٥٩)} [الفرقان: ٥٩]؛ يَعْنِي: اسْتَقَرَّ.
قَالَ: وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: صَعِدَ.
وَقِيلَ اسْتَوْلَى.
وَقِيلَ: مَلَكَ.
وَاخْتَارَ هُوَ مَا حَكَاهُ عَن الْفَرَّاءِ وَجَمَاعَةٍ أَنَّ مَعْنَاهُ: أَقْبَلَ عَلَى خَلْقِ الْعَرْشِ وَعَمَدَ إلَى خَلْقِهِ، قَالَ: ويدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ} [فصلت: ١١]؛ أَيْ: عَمَدَ إلَى خَلْقِ السَّمَاءِ.
وَهَذَا الْوَجْهُ مِن أَضْعَفِ الْوُجُوهِ؛ فَإِنَّهُ قَد أَخْبَرَ أَنَّ الْعَرْشَ كَانَ عَلَى الْمَاءِ قَبْلَ خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَكَذَلِكَ ثَبَتَ فِي "صَحِيح الْبُخَارِيِّ" (١) عَن عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ عَن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: "كَانَ اللهُ وَلَمْ يَكُن شَيْءٌ قَبْلَهُ، وَكَانَ عَرْشُة عَلَى الْمَاءِ، وَكتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شيْء، ثُمَّ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْض".
فَإِذَا كَانَ الْعَرْشُ مَخْلُوقًا قَبْلَ خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ: فَكَيْفَ يَكُون اسْتِوَاؤُهُ عَمْدَهُ إلَى خَلْقِهِ لَهُ؟ لَو كَانَ هَذَا يُعْرَفُ فِي اللُّغَةِ: أَنَّ اسْتَوَى عَلَى كَذَا
(١) (٣١٩١).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute