حَقِيقَةٌ وَهَذَا مَجَازٌ، كَمَا ظَنَّ ذَلِكَ طَائِفَة مِن الْمُتَكلِّمِينَ فِى أُصُولِ الْفِقْهِ وَكَانَ هَذَا مِن جَهْلِهِمْ بِكلَامِ الْعَرَبِ.
ولَا ريبَ أَنَّ أَكْثَرَ هَؤُلَاءِ قَسَّمُوا هَذَا التَّقْسِيمَ، لَكِنْ لَيْسَ فِيهِمْ إمَامٌ فِي فَنٍّ مِن فُنُونِ الْإِسْلَامِ، لَا التَّفْسِيرِ، وَلَا الْحَدِيثِ، وَلَا الْفِقْهِ، وَلَا اللُّغَةِ، وَلَا النَّحْوِ، بَل أَئِمَّةُ النُّحَاةِ أَهْلُ اللُّغَةِ كَالْخَلِيلِ وَسِيبَوَيْهِ وَالْكِسَائِيّ وَالْفَرَّاءِ وَأَمْثَالِهِمْ وَأَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ وَأَبِي زيدٍ الْأنْصَارِيّ وَالْأَصْمَعِيِّ وَأَبِي عَمْرٍو الشيباني وَغَيْرِهِمْ: لَمْ يُقَسِّمُوا تَقْسِيمَ هَؤُلَاءِ.
قَالَ الآمدي: حُجَّةُ الْمُثْبِتِينَ أَنَّهُ قَد ثَبَتَ إطْلَاقُ أَهْلِ اللُّغَةِ اسْمَ الْأَسَدِ عَلَى الْأِنْسَانِ الشُّجَاعِ، وَالْحِمَارِ عَلَى الْإِنْسَانِ الْبَلِيدِ، وَقَوْلُهُم: ظَهْرُ الطَّرِيقُ وَمَتْنُهَا، وَفُلَانٌ عَلَى جَنَاحِ السَّفَرِ، وَشَابَتْ لمَّةُ اللَّيْلِ، وَقَامَت الْحَرْبُ عَلَى سَاقٍ، وَكَبِدُ السَّمَاءِ وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَإِطْلَاقُ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ لُغَة مِمَّا لَا يُنْكَرُ إلَّا عَن عِنَادٍ.
وَعِنْدَ ذَلِكَ فَإِمَّا أَنْ يُقَالَ: هَذِهِ الْأَسْمَاءُ حَقِيقَة فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَو مَجَازِيَّةٌ؛ لِاسْتِحَالَةِ خُلُوِّ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ اللُّغَوِيَّةِ عَنْهَا مَا سِوَى الْوَضْعِ الْأَوَّلِ.
وَالْجَوَابُ عَن هَذِهِ الْحُجَّةِ أَنْ يُقَالَ: مَا ذَكَرْتَه مِن الِاسْتِعْمَالِ غَيْرُ مَمْنُوعٍ، لَكِنْ قَوْلُك: إنَّ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ إمَّا أَنْ تَكُونَ حَقِيقِيَّةً أَو مَجَازِيَّةً: إنَّمَا يَصِحُّ إذَا ثَبَتَ انْقِسَامُ الْكَلَامِ إلَى الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ.
ومِن النَّاسِ مَن يَقُولُ: مَا مِن لَفْظٍ عَلَى مَعْنَيَيْنِ فِي اللُّغَةِ الْوَاحِدَةِ إلَّا وَبَيْنَهُمَا قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ، بَل وَيلْتَزِمُ ذَلِكَ فِي الْحُرُوفِ، فَيَجْعَلُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَعَانِي مُنَاسَبَةً تَكُونُ بَاعِثَةً لِلْمُتَكَلّمِ عَلَى تَخْصِيصِ ذَلِكَ الْمَعْنَى بِذَلِكَ اللَّفْظِ.
وقد تَكلَّمُوا؛ [أي: العرب] بِأَفْعَالٍ لَا مَصَادِرَ لَهَا مِثْل "بُدٍّ" وبِمَصَادِرَ لَا أَفْعَالَ لَهَا مِثْل "وَيْحٍ" و"ويْلٍ".
وَقَد يَغْلِبُ عَلَيْهِم اسْتِعْمَالُ فِعْلٍ وَمَصْدَرِ فِعْلٍ آخَرَ كَمَا فِي الْحُبِّ؛ فَإِنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute