للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إني معزيك لا أني على طمع ... من الخلود ولكن سنّة الدين

فما المعزّى بباق بعد ميّته ... ولا المعزّي ولو عاشا إلى حين

مات لسليمان عليه السلام ابن فاشتدّ عليه وجده، وتعاظم فقده، فنزل عليه ملكان عليهما السلام، وبرزا له في صورة أخصام، فقال أحدهما: إني بذرت بذرا لأحصده، فلما اشتدّ مرّ به هذا فأفسده، فقال الآخر: إنه بذر على الطريق، فأخذت عليه [١] ، ففسد للمضيق، فقال سليمان للأول: أما علمت أنّ مأخذ الناس على الطريق العابرة، فقال: يا سليمان: فلم تحزن على ابنك وأنت تعلم أنّك ميّت وأنّ سبيل الناس على الآخرة، ثم قال: ما كان ابنك يعدل عندك؟ وما قدره هنالك؟ قال: كان أحبّ إليّ من ملء الأرض ذهبا، قال: فانّ لك من الأجر على قدر ذلك [٢] .

وفي تعزية معاذ [٣]- وإن تضمن إسناد الحديث وهنا-: اعلم أن الجزع لا يردّ ميتا، ولا يدفع حزنا [٤] . وقال الشافعي في تعزيته: أمضّ المصائب فقد سرور، مع حرمان أجر، فكيف إذا اجتمعا على اكتساب وزر [٥] : [الطويل]

تصبّر فانّ الأجر أسنى واعظم ... ورأيك أهدى للتي هي أقوم

ولو جاز فرط الحزن للمرء لم يفد ... فما بالنا لا نستفيد ونأثم [٦]

وإني عن ندب الأحبّة ساكت ... وإن كان قلبي بالأسى يتكلّم

أعزيك عن غصن ذوى قبل ما ارتوى ... وقامت به ورق الثّنا تترنّم [٧]

على مثل هذا عاهد الدهر أهله ... وصال وتفريق يسرّ ويؤلم [٨]

وإن منع الغيّاب أن يقدموا لنا ... فانّا على غيّابنا سوف نقدم

مات لأبي بكرة [٩] من الأولاد دفعة واحدة أربعون، ولأنس بن مالك ثلاثة وثمانون ولدا، وذلك بالطاعون [١٠] . وقلّ أن يكون أحد ممن غبر، إلا وذاق طعم هذا الكأس


[١] أخذت عليه: أي سرت عليه.
[٢] إحياء علوم الدين للغزالي ٤/٤٨٩.
[٣] معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الأنصاري: صحابي إمام مقدم في علم الحلال والحرام، توفي بالطاعون سنة ١٨ هـ، وقيل ١٧ هـ. (حلية الأولياء ١/٢٢٨، الإصابة ٦/١٣٦) .
[٤] التعازي والمراثي للمبرد ص ١٤٨.
[٥] الأبيات لجمال الدين بن نباتة المصري في ديوانه ص ٤٦٣- ٤٦٤.
[٦] البيت ساقط من نسخة ب.
[٧] في نسخة ش: قبل ما ارتدى.
[٨] في ع: يسر ومغنم.
[٩] أبو بكرة: عبد الرحمن بن أبي بكرة الثقفي، تابعي من أهل البصرة، توفي سنة ٩٦ هـ. (الإصابة ٥/٢٢٦) .
[١٠] التعازي والمراثي للمبرد ص ٢٠٩.

<<  <   >  >>