للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال ابن خلكان في وصف احتفال مظفر الدين أبو سعيد كوكبوري صاحب إربل بالمولد النبوي:

((وأما احتفاله بمولد النبي صلى الله عليه وسلم، فإنَّ الوصف يقصر عن الإحاطة به، لكن نذكر طرفاً منه: وهو أن أهل البلاد كانوا قد سمعوا بحسن اعتقاده فيه، فكان في كل سنة يصل إليه من البلاد القريبة من إربل (١) خلق كثير من الفقهاء والصوفية (٢) والوعاظ والقراء والشعراء، ولا يزالون يتواصلون من المحرم إلى أوائل شهر ربيع الأول، ويتقدم مظفر الدين بنصب قباب من الخشب، كل قبة أربع أو خمس طبقات، ويعمل مقدار عشرين قبة أو أكثر، منها قبة له، والباقي للأمراء وأعيان دولته لكل واحد قبة، فإذا كان أول صفر زيَّنُوا تلك القباب بأنواع الزينة الفاخرة المستجملة، وقعد في كل قبة جوق (٣) من المغاني، وجوق من أرباب الخيال، ومن أصحاب الملاهي، ولم يتركوا طبقة من تلك الطباق في كل قبة حتى رتبُوا فيها جوقاً، وتبطل معايش الناس في تلك المدة، وما يبقى لهم شغل إلا التفرج والدوران عليهم.....، فكان مظفر الدين ينزل كل يوم بعد صلاة العصر، ويقف عليها قبة قبة إلى آخرها، ويسمع غناءهم، ويتفرج على خيالاتهم، وما يفعلونه في القباب، ويبيت في الخانقاه (٤) ، ويعمل السماع (٥)


(١) - مثل بغداد والموصل والجزيرة وسنجار ونصيبين، وبلاد العجم وغيرها من النواحي.
(٢) - الصوفية: التصوف: طريقة كان ابتداؤها الزهد الكلي، ثم ترخص المنتسبون إليها بالسماع والرقص، وهم بين الكفر والبدع، وتشعبت بهم الطرق حتى فسدت عقائدهم حتى قالوا بالحلول والاتحاد. يراجع: تلبيس إبليس ص (١٦١-١٦٩) .
(٣) - الجوق: الجماعة من الناس، وقال ابن سيده: أحسبه دخيلاً. يراجع: لسان العرب (١٠/٣٧) مادة (جوق) .
(٤) - الخناقاه: رباط الصوفية. معرب مولد استعمله المتأخرون. يراجع: شفاء الغليل فيما في كلام العرب من الدخيل ص (١١٣) .
(٥) - السماع: ما يتخذه بعض الناس طريقاً، يجتمع عليه أهل الديانات لصلاح القلوب، والتشويق إلى المحبوب، والتخويف من المرهوب، والتخزين على فوات المطلوب، فتستنزل به الرحمة، وتستجلب به النعمة، وتحرك به مواجيد أهل الإيمان وتستجلي به مشاهد أهل العرفان، حتى يقول بعضهم: إنه أفضل لبعض الناس أو للخاصة من سماع القرآن من عدة وجوه، حتى يجعلونه قوتاً للقلوب، وغذاء للأرواح، وحادياً للنفوس، يحدوها إلي السير إلى الله، ويحثها على الإقبال عليه.
والسماع: أمر محدث حدث في أواخر المائة الثانية، فأنكره الأئمة ومنهم الشافعي وأحمد ولم يحضره الصالحون كابن أدهم والفضيل، وقال الشافعي: أنه من إحداث الزنادقة كابن الراوندي، والفرابي، وابن سينا، والمتخذين للسماع هم الصوفية.
يراجع:: مجموعة فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (١١/٥٦٢- ٥٧١) ، وتلبيس إبليس ص (٢٤٢-٢٥٠) ، ومجموعة الرسائل والمسائل لابن تيمية (١/٤٧- ٤٨) .

<<  <   >  >>