للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فحين نُبِّهُوا على وجه الحجَّة بقوله تعالى: {أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ} (١) ، لم يكن لهم جواب إلاَّ الإنكار، اعتماداً على اتباع الآباء، واطراحاً لما سواه ولم يزل مثل هذا مذموماً في الشرائع، كما حكي الله سبحانه وتعالى عن قوم نوح عليه السلام بقوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ} (٢) . وعن قوم إبراهيم-عليه السلام- بقوله تعالى: {قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ*أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ* قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} (٣) . إلى آخر ذلك مما في معناه، فكان الجميع مذمومين حين اعتبروا واعتقدوا أن الحقَّ تابع لهم، ولم يلتفتوا إلى أنَّ الحق هو المقدَّمُ (٤) .

السبب الخامس: القول في الدين بغير علم وقبول ذلك من قائله.

لقد حذَّر الله سبحانه وتعالى من القول بغير علم، وجعل ذلك من المحرمات، بل من أكبرها، فقال في كتابه العزيز: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} (٥) . فقد عطف الله سبحانه وتعالى القول بغير علم على الإشراك بالله وكفى بذلك ذمّاً وترهيباً.

وقال تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ ... } (٦) . فالقول بغير علم كذب، والكذب حرام، واستجابة لدعوة الشيطان. وقد حذرنا الله تعالى من اتباعه فقال جل من قائل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ *إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} (٧) .

وقد وردت أحاديث تحذر من الفتوى أو الحكم بغير علم، وخاصة فيها يتعلق


(١) - سورة الزخرف: الآية٢٤.
(٢) -سورة المؤمنون: الآية٢٤.
(٣) - سورة الشعراء: الآيات ٧٢ - ٧٤.
(٤) - يراجع: الاعتصام (٢/٣٤٧) .
(٥) -سورة لأعراف:٣٣.
(٦) - سورة الأنعام: الآية١٤٤.
(٧) - سورة البقرة:١٦٨- ١٦٩.

<<  <   >  >>