للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عمران التي فضحت منهج الذين في قلوبهم زيغ؛ حين يتركون المحكم ويأخذون المتشابه ابتغاءَ الفتنةِ وابتغاءَ تأويله.

فأمّا المحكم هنا فمثل قوله تعالى: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} (١).

وفي الحديث المتفق عليه أنَّ ابن عباس - رضي الله عنه - قال في تفسير هذه الآيات: "كان النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يعالج من التنزيل شدة، وكان يحرك شفتيه .. فأنزل الله عز وجلّ: {لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ

لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ}، قال: "جمعه في صدرك ثم تقرؤه{فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} قال: "فاستمع له وأنصت، ثم إنَّ علينا أن تقرأه قال: "فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أتاه جبريل - عليه السلام - استمع، فإذا انطلق جبريل قرأه النبي - صلى الله عليه وسلم - كما أقْرَأَه" (٢).

ومن المحكم قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (٣).

قال ابن كثير في تفسيرها: «ثُمَّ قَرَّرَ تعالى أنَّه هو الذي أنزل الذِّكر، وهو القرآن، وهو الحافظ له من التّغيير والتّبديل. ومنهم من أعاد الضّمير في قوله تعالى: {لَهُ لَحَافِظُونَ} على النبي - صلى الله عليه وسلم -، كقوله: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}، والمعنى الأول أولى، وهو ظاهر السياق» (٤).

وقال صاحب أضواء البيان: «بَيَّنَ تعالى في هذه الآية الكريمة أنَّه هو الذي نزَّل القرآن العظيم، وأنَّه حافظٌ له من أن يُزاد فيه أو يُنقص أو يَتغير منه شيء أو يُبدَّل، وبيَّن هذا المعنى في مواضعَ أخرَ كقولِه: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (٤١) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ


(١) سورة القيامة، الآيات ١٦ - ١٩.
(٢) رواه البخاري في صحيحه، كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى (لا تحرك به لسانك) وفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - حين ينزل عليه الوحي، ح٧٥٢٤، ص١٨٥٩. ورواه مسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب الاستماع للقراءة، ح٤٤٨، ١/ ٢٠٨.
(٣) سورة الحجر، الآية ٩.
(٤) انظر: تفسير ابن كثير ٤/ ٥٢٧.

<<  <   >  >>