للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} (١)، وقولِه: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} إلى قولِه: {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} وهذا هو الصحيح في معنى هذه الآية؛ أنَّ الضمير في قوله: {وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} راجعٌ إلى الذِّكر الذي هو القرآن» (٢).

وأمّا آية البقرة التي استدل بها المشبه على كثرة وسرعة نسيان النبي - صلى الله عليه وسلم - ما ينزل عليه من الوحي؛ فلا دليل له فيها على المعنى الذي أراده، ولا صحة لسبب النّزول الذي ذكره. فإنّ الصحيح في سبب نزولها «أنّ اليهود لما حسدوا المسلمين في التوجه إلى الكعبة، وطعنوا في الإسلام بذلك، وقالوا: إنَّ محمداً يأمر أصحابه بشيء ثم ينهاهم عنه، فما كان هذا القرآن

إلا من جهته، ولهذا يناقض بعضه بعضاً، فأنزل الله الآية» (٣).

وكلمة (ننسها) في الآية جاءت على قراءتين.

الأولى بفتح النون الأولى والسين والهمز (نَنْسَأها)، والمعنى نؤخر نزولها أو نَسْخها.

والثانية بضم النون الأولى وتسكين الثانية وكسر السين (نُنْسِها)، والمعنى نتركها فلا نبدلها ولا نَنْسَخها؛ من النسيان، وهو الترك، كما في قوله تعالى: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} (٤).

وأمَّا قوله بنسيان الصحابة ما يسمعونه من النبي - صلى الله عليه وسلم - فبعيد كل البعد عن الحقيقة، فقد حفظَ القرآنَ جميعَه في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - غيرُ واحدٍ من أصحابه، وما مِن الصحابة إلا من حفظ بعضَه، وكان يحفظ بعضُهم ما لا يحفظه الآخرُ، فهو جميعُه منقولٌ سماعاً منه بالنّقل المتواتر (٥).

وقتل غدراً على عهده - صلى الله عليه وسلم - يوم بئر معونة سبعون من القراء (٦). واستحر القتل بالقراء يوم اليمامة سنة ثنتي عشرة من الهجرة على عهد الصديق - رضي الله عنه -، وكان ذلك سبب الجمع الأول.


(١) سورة فصلت، الآيتين ٤١ - ٤٢.
(٢) انظر: أضواء البيان، الشنقيطي ٣/ ١٤٤.
(٣) انظر: تفسير القرطبي ٢/ ٣٠٠.
(٤) انظر: تفسير القرطبي ٢/ ٣٠٩. والشّاهد في سورة التوبة، من الآية ٦٧.
(٥) انظر: الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح، ابن تيمية ٣/ ٢١.
(٦) رواه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب من قتل من المسلمين يوم أحد، ح٤٠٧٨، ص١٠٠١.

<<  <   >  >>