للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وَضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون إليه النظر تعظيماً له، وإنَّه قد عرض عليكم خطةَ رشد فاقبلوها" (١).

وهنا تساؤلٌ لمن يَطرح هذه الشبهة على هيئة التعميم والتهويل؛ كم مرَّةً ورد في السيرة النبويّة اقتتال الصحابة على نخامة النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ ولماذا لم تحدث تلك الحادثة إلا في ظرفٍ قتاليٍّ خاص يوم الحديبيّة؟ ولماذا لم تتكرر تلك الحادثة قبل ذلك التّاريخ أو بعده؟ ولماذا عدَّ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - النّخامة في المسجد خطيئةً لا يكفرها إلا إزالتها، ولم يستثن من ذلك ما صدر عنه؟ (٢)

الأمر العاشر: وأمّا القول بأنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - شرّع لأتباعه ما تأنف الطّباع السّليمة منه، ومن ذلك شرب بول الإبل، ففيه من مجانبة الأمانة في النقل ما سبقت الإشارة إليه في المطلب الثالث (٣).

وأصل هذا القول القصة التي رواها البخاري (٤) وغيره، أنّ أناساً من عكلَ وعرينة قدموا المدينة فأسلموا، ثم مرضوا مرضاً شديداً فأمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يلحقوا بِرَاع له فيشربوا من ألبان الإبل وأبوالها. فلما فعلوا ذلك وذهب عنهم المرض، وَصَحَّت أجسامهم وسمنوا، قابلوا ذلك بقتل الرّاعي واستياق الإبل والارتداد عن الإسلام.

فطلب النبي - صلى الله عليه وسلم - أثرهم، فأُدركوا في نفس اليوم، وقطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف، ولم يحسم الدم، وسملت أعينهم، وألقوا في الحرّة يستسقون ولا يسقون حتى ماتوا (٥).


(١) رواه البخاري في صحيحه، كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط، ح٢٧٣١،٢٧٣٢، ص٦٦٩ - ٦٧٣.
(٢) الحديث في مواضع كثيرة في الصحيحين، منها ما في صحيح مسلم، كتاب الزهد والرقائق، باب حديث جابر الطويل وقصة أبي اليسر، ح٣٠٠٨، ٢/ ١٣٦٩.
(٣) انظر صفحة ٢٥٧.
(٤) هو أبو عبد الله، محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري. ولد في بخارى سنة ١٩٤هـ ومات في خرْتنْك من قرى سمرقند سنة ٢٥٦هـ. له: الجامع الصحيح- التاريخ- الضعفاء- خلق أفعال العباد- الأدب المفرد، وغيرها. انظر: الأعلام، الزركلي ٦/ ٣٤ - ٣٥.
(٥) انظر: فتح الباري، ابن حجر ١/ ٣٣٧ - ٣٤١.

<<  <   >  >>