للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكانت العقوبةُ؛ حدَّ الحرابة، والسملُ؛ قصاصاً لفعلهم بالرّاعي (١).

هذه الحادثة وردت مرة واحدة، في معرض الإرشاد للتداوي لطائفة مخصوصة من النّاس، ولم يرشد النبي - صلى الله عليه وسلم - غير هؤلاء لهذا الأمر لا على سبيل التداوي ولا غيره. بل جاءت السيرة النبويّة بخلاف ذلك، فإنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لا يأكل ما تعافه نفسه ولو كان حلالاً -وفعله إرشاد لغيره- وذلك لما أهدت أم حفيد خالة ابن عباس - رضي الله عنه - إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أقطاً وسمناً

وضباً، فأكل النبي - صلى الله عليه وسلم - من الأقط والسمن، وترك الضب تقذراً (٢).

وفي رواية أخرى أنه - صلى الله عليه وسلم - رفع يده عن الضب، فقال خالد بن الوليد - رضي الله عنه - (٣): أحرام الضب يا رسول الله؟ قال: (لا، ولكن لم يكن بأرض قومي، فأجدني أعافه) (٤).

وعليه؛ فلا موضع للاعتراض على هذه القصة إلا إذا أثبت هؤلاء نوع المرض الذي أصاب أولائك القوم، مع عدم نجاعة شرب ألبان الإبل وأبوالها في الشفاء منه.

ولا سبيل إلى هذا لأنَّ الحديث برواياته عند البخاري أثبت أنهم استصحوا، وصلحت أبدانهم، وصحوا وسمنوا.

وقد تكاثرت الأقوال والتجارب العلمية في إثبات النفع الطبي لأبوال الإبل في القديم والحديث. فقد نقل ابن القيم عن ابن سينا (٥) في كتابه القانون: «وأنفع الأبوال: بول الجمل


(١) قال ابن القيم في زاد المعاد ٣/ ٢٥٥ في فقه القصة: «وأنه يفعل بالجاني كما فعل، فإنهم لما سملوا عين الراعي سمل أعينهم».
(٢) رواه البخاري في صحيحه، كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها، باب قبول الهدية، ح٢٥٧٥، ص٦٢٥. ورواه مسلم في صحيحه، كتاب الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان، باب إباحة الضب، ح١٩٤٧، ٢/ ٩٨٣.
(٣) هو أبو سليمان، خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومي. كان من أشراف قريش في الجاهليّة، وأسلم سنة سبع. أرسله النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أكيدر دومة فأسره، وأرسله أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - إلى أهل الردة فأبلى بلاء حسناً، ثم ولاه حرب فارس والرّوم ففتح دمشق. مات بحمص سنة إحدى وعشرين. انظر: الإصابة، ابن حجر ٢/ ٢١٥ - ٢٢٠.
(٤) رواه البخاري في صحيحه، كتاب الذبائح والصيد، باب الضب، ح٥٥٣٧، ص١٤٠٨. ورواه مسلم في صحيحه، كتاب الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان، باب إباحة الضب، ح١٩٤٥، ٢/ ٩٣٧.
(٥) هو أبو علي، الحسين بن عبد الله بن سينا، الطّبيب الفيلسوف، صاحب التصانيف في الطب والمنطق والطبيعيات والإلهيات. ولد في بلخ سنة ٣٧٠هـ ومات في همذان سنة ٤٢٨هـ. كان من القرامطة الباطنيين، وأشهر كتبه "القانون" حيث بقي معولاً عليه في أوروبّا ستّة قرون. له مؤلفات كثيرة، منها: المعاد- الشفاء- الإشارات والتنبيهات. انظر: الأعلام، الزركلي ٢/ ٢٤١ - ٢٤٢.

<<  <   >  >>