للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأمّا المعتقد النصراني فإنّه يوافق في أنّ المسيح سيأتي آخر الزّمان، ويسمون هذا المجيءَ بالمجيء الثّاني، إلا أنهم يخالفون في سبب المجيء.

فالسبب عند جُلِّ الطوائف هو محاسبةُ المسيح للخلق ومجازاتُهم، وزادت طائفة من البروتستانت قضاءَ المسيح على أعدائه، وتحقيقَ الخلاص للمؤمنين به، وتحقيقَ الملك الألفي، ومعناه أنّ المسيح يملك مع أتباعه العالمَ ألف سنة مليئةً بالرّخاء والأمن وطيب العيش (١).

ومن هنا نفهم سبب إدراج كلمة (ديّاناً)، والقول بأنّها وردت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.

والحقيقة أنّ الأحاديث التي وردت في نزول عيسى - عليه السلام - آخر الزمان لم تصفه بهذا الوصف، وإنما وصفته بأنّه إمام مقسط أو عادل، وحَكَمٌ مقسط أو عادل.

ففي الحديث المتفق عليه، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (والذي نفسي بيده، ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكماً مقسطاً، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد) (٢).

وفي رواية لمسلم: (إماماً مقسطاً، وحكماً عدلاً) (٣).

وعند ابن ماجة: (حكماً مقسطاً، وإماماً عدلاً) (٤).

وليس في الأحاديث أنّه يجيء ديّاناً للخلق، أي محاسباً مجازياً لهم، بل فيها أنّه يحكمُ بالقرآن والسّنّة، ويصلي خلف إمام المسلمين، ويحج ويعتمر، ويكسر الصّليب رمز النصرانيّة المحرّفة، ويقتل الخنزير، ولا يقبل الجزية من أحد، بل يفرض على الجميع الدّخول في الإسلام.

الأمر الثّاني: وأمّا القول بأنّه صح عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنّه أخبر بسجود الأنبياء لعيسى - عليه السلام -، ويدخل في ذلك سجود زكريّا أو روحه للمسيح، وأنّ هذا السّجود دليل على


(١) انظر: ملاحم آخر الزّمان عند المسلمين وأهل الكتاب وآثارها الفكريّة، ياسر الأحمدي، ص٣٧٨ - ٣٧٩، ٣٩٢.
(٢) سبق تخريجه في الهامش الثاني، صفحة ٢٩٢.
(٣) رواه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب نزول عيس بن مريم حاكماً بشريعة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، ح١٥٥، ١/ ٨٠ - ٨١.
(٤) رواه ابن ماجة وصححه الألباني. انظر له: صحيح سنن ابن ماجة ٣/ ٣٣٨.

<<  <   >  >>