للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأمّا الذي تقرر عنده صدق النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأنّه مرسل من ربّه، فالواجب عليه قبول كل ما جاء به من أمور الغيب، والمبادرة بالتسليم مع استحضار مباينة عالَم الغيب لعالَم الشّهود.

ومتى حكّم المرء عقله في ما جاء من الغيبيات وقع في الحيرة والشك، وسار في طريق الفرق الضالّة.

ولما حكَّمت بعض الفرق عقولها في باب الأسماء والصفات، وقعت في التشبيه، أو فرَّت منه فنفت ووقعت في التعطيل.

«ومسألة الإيمان بالغيب، والاعتقاد بوجود مخلوقات وأشياء غائبة عن مداركنا، كلها أمور لا تخضع للتجربة والمشاهدة، والإدراك البشري ..

ولا يكون للغيب، والتعبد بالإيمان به معنى، إذا حاولنا أن نتطاول لمعرفته بحواسّنا أو عقولنا، وإذا شخَّصنا أو حكمنا به كما نتصور؛ لم يكن غيباً إن أصبنا الحقيقة، وكنّا كاذبين إن خالفنا الحقيقة ..

ثم إنّ الله تعالى جعل الإيمان بالغيب امتحاناً وابتلاءً لعباده» (١).

ومن هذه الغيبيّات ما في صحيح البخاري من أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - سأل أبا ذر - رضي الله عنه - (٢) حين غربت الشمس: (أتدري أين تذهب؟)، قال أبو ذر - رضي الله عنه -: الله ورسوله أعلم، قال: (فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش، فتستأذن فيؤذن لها، ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها، وتستأذن فلا يؤذن لها، يقال لها: ارجعي من حيث جئت، فتطلع من مغربها، فذلك قوله تعالى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}) (٣).


(١) انظر: الاتجاهات العقلانيّة الحديثة، ناصر العقل، ص١٢٣، ١٢٨، ١٢٩.
(٢) هو أبو ذرّ، جندب بن جنادة الغفاري. خامس خمسة في الإسلام. كان رأساً في الزهد والصدق والعلم والعمل، قوّالاً بالحق، لا تأخذه في الله لومة لائم. مات زمن خلافة عثمان - رضي الله عنه -. انظر: سير أعلام النبلاء، الذهبي ٢/ ٤٦ - ٧٨.
(٣) رواه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الخلق، باب صفة الشمس والقمر بحسبان، ح٣١٩٩، ص٧٩٢. والشّاهد في سورة يس، الآية ٣٨.

<<  <   >  >>