للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نَقَل الأزرقي (١) أن عبدَ الله بن الزبيرِ حِين أَرَادَ هَدْمَ الكَعْبةَ وَبِنَاءَهَا اسْتَشَارَ النّاسَ في ذَلِكَ فَأشارَ جَابِرِ بْنُ عَبْدِ الله وَعبيدُ بنُ عُمَيْر وَآخَرُونَ بِتَرْكِهَا عَلَى حَالِهَا فَعَزَمَ ابْنُ الزبير عَلَى هَدْمِهَا فَخَرَجَ أهْلُ مَكَّةَ إِلَى مِنى فَأَقَامُوا بِهَا ثَلاَثاً خَوْفاً مِنْ أنْ يَنْزلَ عَلَيْهِم عَذَابٌ لَهَدْمِهَا، فأمَرَ ابنُ الزبير بِهَدْمِهَا فَمَا اجْتَرأ عَلَى ذَلِكَ أَحَدٌ فَلَمَا رَأى ذَلِكَ عَلاَهَا بِنَفْسِهِ وَأَخَذَ المِعْوَلَ وَجَعَلَ يَهْدِمُهَا وَيَرْمِي أحْجَارَهَا، فَلَما رَأوْا أَنهُ لاَ يُصِيبُهُ شيء اجْتَرَؤُوا فَصَعَدُوا وَهَدَمُوهَا، فَلَمّا فَرَغَ ابنُ الزّبيرِ مِنْ بِنَاءِ الْكَعْبةِ خَلقَها (٢) مِنْ دَاخِلِهَا وَخَارِجِهَا مِنْ أعْلاَهَا إِلَى أسْفَلِهَا وَكَسَاهَا القَبَاطيَّ. وَقَالَ: مَنْ كَانَتْ لي عليه طاعةٌ فَلْيَخْرُجْ فليعْتَمِرْ مِن التنْعِيمِ ومَنْ قدرَ أن ينحرَ بدنَة فليفعلْ ومنْ لَمْ يقدِرْ فليذبحْ شاة ومن لم يقدرْ فليتصدّقْ بوسْعِهِ، وخرجَ ابنُ الزّبيرِ ماشياً وخرح النّاسُ معه مشاة حتى اعتمرُوا مِنَ التَّنْعِيم شكراً ولمْ يُرَ يَوماً أكثر عَتيقاً وبَدنة مَنحورَة وشاة مذبوحة وصدقة مِنْ ذَلِكَ اليومِ، وَنحر ابْنُ الزبيرِ مَائة بَدَنَةٍ.

وَأمَّا تذهيبُ الكعبةِ فإن الوليدَ بنَ عبدِ الملكِ بعثَ إلى واليهِ عَلَى مكةَ خالدِ بنِ عبدِ الله القَسْرِي بستّة وَثَلاثينَ ألْفِ دِينار فضربَ منهَا على باب الكعبةِ


(١) أقول: فإن قيل: قول المصنف رحمه الله تعالى: نَقَلَ الأزرقي حتى قوله: (ونحر ابن الزبير مائة بدنة) ليس مطابقاً لما ترجم له هذه المسألة.
(أجيب): كما في الحاشة: بأنه قَصَدَ الرد على مَنْ قال من المؤرخين إن ابن الزبير رضي الله عنهما هو أول من حَلى الكعبة حين بناها، والأزرقي رحمه الله لم يذكر إلا بناءه ولم يذكر أنه أول مَنْ حَتى الكعبة إلخ بل نقل أن أول من ذهَّبَها عبد الملك بن مروان، ونقل قبله أن أول من ذهَّبَ البيت الوليد بن عبد الملك. والمشهور الأول. ويحمل ما قال ثانياً على أن أول من فعل ذلك بعد عبد الملك ابنه وقول الأزرقي مُقدم على غيره لأنه أعلم بذلك والله أعلم.
(٢) أي طلاها بالمسك والعنبر.

<<  <   >  >>