للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

للشرْب وللْوضُوء بَدَلٌ، وهذه المسَأَلة مما يَنبَغِي حفظُها وإشَاعَتُهَا فإنَّ كَثيرينَ مِنَ الحُجَّاج وَغَيْرِهم يُخطِئونَ فيها ويَتَوضَّأ أحَدهمْ مع علْمِهِ بِحَاجَةِ الناسِ إلى الشُّرْبِ وهذَا الوُضُوء حَرَامٌ لاَ شَكَ فِيه وَالْغُسْلُ عَنِ الْجَنَابةِ وعن الحَيْضِ وغيرِهما كالْوُضُوء فيما ذَكَرْنَاهُ.

ومن خَيلَتْ لهُ نَفْسُهُ أَن الْوُضُوءَ في هذا الْحَالِ فَضِيلَةٌ فَهُوَ شَدِيدُ الخَطَأ وإنَّمَا فَضيلَةُ الْوُضُوء إذا لم يَكُنْ هُناكَ مُحْتَاجٌ للشُّرْبِ وَسَواءٌ كَانَ المُحْتَاجُ للْعَطَشِ رَفِيقَه الْمُخالطَ له أوْ الرَّكْبَ أوْ أحَداً مِنَ القَافِلَة أوْ الرَّكْب، فلَوْ امْتَنَعَ صَاحِبُ الماءِ مِنْ بَذْلِهِ وهُوَ غَيْرُ مُحْتاج إليه للعَطَشِ وهناك مُضْطَر إليهِ للْعَطَشِ كان للمُضْطَرِّ أَخْذُهُ قَهْراً ولهُ أنْ يقاتِلَ عليه فإنْ قَتَلَ أحدهُمَا صَاحِبَهُ كان صَاحِبُ المَاءِ مُهْدرَ الدَم لا قَصَاص فيه وَلاَ ديةَ ولا كَفارةَ وكان الْمُضْطَرُّ مَضْمُوناً بالقِصَاص أوْ الدِّية وَالكَفارة. ولو احتاج صاحِبُ الماء إليهِ لعَطَشِ نَفْسِهِ كان مُقَدَّماً على غَيْره ولو احْتَاجَ إليه الأجْنَبِي للْوضُوء وكانَ المالكُ مُسْتَغْنِياً عَنْهُ لَمْ يَلْزَمْهُ بَذلُهُ له وَلاَ يَجُوزُ للأجْنَبِيِّ أَخْذُهُ قَهْراً لأنهُ يمكِنُهُ التَّيَممُ.

وَاعْلَمْ أنهُ مهْمَا احْتَاجَ إليه لعَطَش نَفْسَه أوْ رَفِيقِه أوْ حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ في ثاني الحال قَبْلَ وُصُولهمْ إلى مَاء آخَرَ فَلَهُ التيمم ويُصَلي وَلاَ يُعيدُ ولو لم يَجد الماءَ وَوجَدَهُ يُبَاعُ بثَمَن المثْل وهُوَ وَاجدٌ للثمَن فاضلاً عَما يَحْتَاجُ إلَيْه (١) في سَفَره ذَاهباً ورَاجعاً لَزِمَهُ شرَاؤهُ، وإن كان يُبَاعُ بأكْثَرَ من ثمنِ الْمثْل لَمْ يَلْزَمْهُ شِرَاؤُهُ سَوَاء قَلَّتْ الزيادَة (٢) أمْ كَثُرَتْ لكنْ يُستحَب شِرَاؤهُ وَثَمَنُ الْمِثْل هُوَ قِيمَتُهُ في ذلكَ في تِلْكَ الْحَالة.


(١) أي لنفسه أو لمحترم تلزمه مؤنته، ولا يجب استقراض ثمن الماء، وإن كان له مال غائب ولا اتهابه ولا قبول ذلك بخلاف الماء لقلة المنة فيه.
(٢) أي في شراء الماء وآلة الاستقاء لأن في التكليف بالشراء بكثر من المثل مشقة على النفوس لا تحتملها في العادة.

<<  <   >  >>