يظل يرزح تحت عبء العناية بعائلته وبيته مما يجعل حريته سخرية جوفاء باطلة، في حين يبقى رب العمل حراً -بالفعل- ويستطيع أن يتمتع بالأرباح التي جناها من عمل الآخرين دون اهتمام بمصلحتهم ورفاههم، ولا عجب من أن يفضل الناس العبودية البيضاء -أي عبودية رأس المال- على عبودية الزنوج، طالما أنها تدر ربحاً أكثر وتحررهم من جميع المسئوليات والأعمال التي يقوم بها مالكو العبيد الزنوج (١).
وهكذا دفعت الجاهلية الغربية الثمن غالياً، وانتقلت إلى عبادة طاغوت جديد لا يقل بشاعة وإذلالاً عن طاغوت الإقطاع.
واقتضت سنة الله ألا تدوم فرحة الرأسماليين طويلاً، فقد كانت تصرفاتهم الجشعة، واستغلالهم الشره تضرم الحقد في القلوب، وتؤجج نار العداوة ضدهم، وانبعثت الشرارة الأولى على يد المفكرين الجماعيين، وبلغت ذروتها في الضغينة الماركسية.
٣ - المذهب الاقتصادي الشيوعي:
مقدمة عن مصادر الفكر الشيوعي:
في مقابل التطرف الذي اتخذه الطبيعيون والرأسماليون الكلاسيكيون نحو الفردية، تطرف طائفة أخرى، فاتجهت اتجاهاً جماعياً لا يقيم للفرد وزناً إلا من جهة كونه مسماراً في الآلة الاجتماعية.
والتاريخ يروي أن الفكر الجماعي قديم في أصله، وأن عصر التنوير ينحصر جهده في بعثه من جديد، كما أن الشيوعية قد طبقت عملياً قبل ماركس وإنجلز بقرون طويلة، فنحن نجد أن جمهورية أفلاطون تشكل نظرية عن أمة تسودها روح جماعية خالصة، يذوب
(١) من كلام جورج فيتزهيو: (١٨٨١) في تطور المجتمع الأمريكي: (١١٢) فما بعدها.