فإن عليه -كما عبر بوترو- حين يدخل المعمل أن يترك بالباب معتقداته الدينية ويستعيدها عند خروجه) (١).
ومن خلال هذا نتبين أن موقف الكنيسة كان العامل الأكبر الذي أفضى إلى العداوة الشرسة للدين من قبل العلم، والتحلل الكامل من كل قضاياه ومؤثراته.
على أن هناك عاملاً آخر يرفد هذا العامل ويؤازره، وهو عامل داخلي نابع من طبيعة النفسية الجاهلية الأوروبية ذاتها، ومستقر في شعورها أو لا شعورها، وبإمكانه أن يقوم بأثر واضح حتى وإن لم يوجد العامل الخارجي المتمثل في موقف الكنيسة.
ذلك أن الإرث الدينى والوثنى في النفسية الأوروبية يصور العلاقة بين الإله والمخلوقين - فيما يتعلق بالعلم والمعرفة -على أنها صراع محتدم وتنافس ضار، الإله يفرض الجهل على الإنسان، ويتعمد تجهيله إلى الأبد بأية وسيلة خشية أن ينافسه على مقام الألوهية، لو وقع فى يده شيء من نور العلم والإنسان يسلك وسائل شتى، ويستعين بوسائط عديدة لكي يستغفل الإله، ويختطف من وراء أسواره شيئاً من العلم يمكنه من التحرر والانطلاق.
أما الإرث الديني فتمثله (قصة آدم عليه السلام) كما رواها سفر التكوين من العهد العتيق: "وأخذ الرب الإله الإنسان، وجعله في جنة عدن ليفلحها ويغرسها، وأمر الرب الإله الإنسان قائلاً: من جميع شجر الجنة تأكل، أما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها، فإنك يوم تأكل منها تموت موتاً). (وكانت الحية أحيل جميع حيوانات البرية الذي صنعه الرب الإله، فقالت للمرأة: أيقيناً قال الله لا تأكلا من جميع شجر الجنة؟ فقالت المرأة للحية: من الجنة نأكل، وأما ثمر الشجرة التي في وسط الجنة، فقال الله لا تأكلا منها
(١) العلم والدين في الفلسفة المعاصرة: اميل بوترو: (٣٢).