للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدينية التي تلقنها أثناء طفولته، بينما تظل بعض الخرافات الخاصة في قوتها تتحدى كل تعليل عقلى في جميع أدوار ذلك الإنسان) (١).

هكذا رسخ في النفسية الأوروبية شعور متأصل بأن كل طفر للإنسان فى مجال العلم والمعرفة إنما هو هزيمة لإرادة الإله، وكل كشف يعرض له إنما هو سرقة واغتصاب من كنزه المحظور؛ ولذلك أصبح أعز أمانيها ليس أن تتحرر من قيود الإله فحسب، بل أن (تقهره قهراً) حسب الاستعمال الشائع لدى العلماء! عند إحراز أي تقدم في أي ميدان، وحتى بعد أن تخلت أوروبا عن عبادة زيوس وجوبيتر، ورفضت عبادة إله الكنيسة معتنقة عبادة (الطبيعة) ظلت هذه الأمنية (قهر الطبيعة) أعظم أحلامها.

يقول كتاب تاريخ البشرية الذي أصدرته اليونسكو: "كانت الفكرة العامة في معظم المجتمعات في الماضي أن الطبيعة موجودة ببساطة تؤثر في حياة الإنسان على نحو لا يتغير، وإزاء قوتها العارمة لم يحاول أن يطوعها كثيراً لاحتياجاته، بل كان عليه أن يكيف نفسه وفق ما يلائمها، ولكن إنسان القرن العشرين قد أخذ بخناق الطبيعة مصمماً على أن يستخرج أسرارها، وأن يستعمل مواردها وأن يقهر آثارها الخطرة" (٢).

ويقول نخبة من العلماء السوفيت في كتاب أصدروه: "الطبيعة كتوم لا تبوح بأسرارها، فهى تكتب قوانينها بنظام شفري غامض ثم تحكم غلقها وإخفاءها بعيداً في خزانات متينة،


(١) محمد أسد الإسلام على مفترق طرق: (٦١).
(٢) (٦/ ٢:١)، (ص:٢١).

<<  <   >  >>