للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الفلسفة هذا بوصفه نشاطاً عقلياً له دلالته، يتوقف على حقنا في مناقشة أية فكرة أو أي تصور أو أي قيمة أو قانون أو نشاط أو نظام داخل في نطاق التجربة البشرية، وكما يقال أحياناً على سبيل المزاح: فحتى الله نفسه ينبغي أن يقدم أوراق اعتماده أمام مدخل مدرج الفلسفة (١).

وهناك مشكلة أخرى هي في الواقع امتداد للمشكلة سالفة الذكر، وهي نفي الغائية التي تبناها العلميون منهجياً كما سبق، فقد مدوا نطاقها حتى ألف الناس أن يسمعوا منهم أن وجودهم على هذه الأرض لا غاية له ولا هدف، بل قذف به سير التطور البطيء الطويل صدفة واتفاقاً؛ أو حسب رأي هيكل أن الإنسان في ضوء الفلسفة العلمية لن يكون مركز الكون وغايته، بل حلقة في سلسلة الكائنات كما تتصل الديدان باللافقاريات أو الأسماك بالديدان، وليس امتياز الإنسان إلا حالة من التقدم الاستثنائي الذي امتازت به الفقريات على أنواع جنسها خلال التطور العام (٢).

وقد عاد ذلك بأسوأ الأثر على الأخلاق والقيم الإنسانية التي ظل بنو الإنسان محتفظين بها منذ وجدوا على الأرض، وخرجت في أوروبا أجيال آمنت بالعبثية والعدمية والفوضوية والوجودية وأضرابها من أشكال الفلسفات العابثة التائهة، وعمت موجة غريبة طاغية من التبرم والضيق بالحياة، ومحاولة الهروب من السير في جادتها، وأصبح التخلص من التفكير في ذلك هو الغاية الكبرى لكثير من الناس، لا سيما ذوو الإحساس المرهف.


(١) الفلسفة أنواعها ومشكلاتها: (٣٨)، ولا يخفى ما في هذا الهراء من التناقض والسخف اللذين لا داعي لهما إلا الغرور الكاذب والجرأة الوقحة.
(٢) العلم والدين: (١٠٥).

<<  <   >  >>