وتنغصت حياة الناس بقلق وذعر لا يكادون يستبينون مصدريهما، وأخذت تعصف بهم دوامة من الحيرة والضياع تزداد سعاراً كلما تذكروا أن وجودهم في هذه الدنيا لا يزيد هدفاً وحكمة عن وجود أدنى الديدان وأحط الحشرات.
ونتج عن ذلك -مما نتج- أن استهان الفرد بنفسه، وفقدت حياته معناها وقيمتها، فأصبح الانتحار بوسائله المتعددة أمراً مألوفاً، بل أصبحت المسابقات والمباريات الفردية والجماعية تعتمد بالدرجة الأولى على المخاطرة والزج بالنفس في الأهوال، واستأثرت مناظر العنف باهتمام الناس سواء أكانت على الطبيعة أم في وسائل الإعلام.
وقد ضج كثير من الباحثين المشفقين لهذه المآسي المروعة، وعلى رأسهم الدكتور إليكسس كاريل، وتلميذه ليكونت دي نوي الذي ألف حول هذا الموضوع كتابه الشهير مصير الإنسان، وهذه بعض أقواله في مقدمته:"كان نمو الجبهة المادية من الحضارة ابتدءاً من منتصف القرن التاسع عشر قد أثار اهتمام البشر، وجعلهم ينتظرون بشيء من القلق ما يتمخض عنه الغد من معجزة، فلم يبق لهم الوقت الكافي للاهتمام بالمشاكل الحقيقية، أعني المشاكل الإنسانية، وقد تعاقبت الاكتشافات الرائعة المدهشة بدون انقطاع منذ سنة ١٨٨٠ إلى سنة ١٩١٥م، فبهرت عقول الناس كما يبهر أول مشهد من السيرك عقول الأطفال، وأنستهم المأكل والمشرب، وقد أصبح هذا المشهد الجسيم رمزاً للواقع، وصرف النظر عن القيم الحقيقية وقد طمسها نور الكوكب الجديد ... لقد شعر الكثيرون بالخطر المحدق وأنذروا به، غير أن أحداً لم يصغ إليهم، لأن معبوداً جديداً غريباً كان قد ولد، ولأن عبادة جديدة قد طغت على الشعب هي عبادة المستحدث".