"وكان من الطبيعي أن يتحول تدريجياً الاحترام الذي كان يستأثر به الكهنة دون سواهم، إلى أولئك الذين أفلحوا في تسخير قوى الطبيعة وكشف بعض أسرارها، وهكذا انتشرت المادية ويا للأسف ليس بين العلماء فحسب، بل بين الشعب أيضاً".
((إن القلق العصري ناتج -على الأخص- عن أن الذكاء حرم الإنسان كل مبرر لوجوده بأن قوض باسم علم لا يزال في المهد أسس التعاليم التي ظلت -حتى اليوم- تعطي الحياة الفردية معنى الجهاد، وتشير إلى هدف سامٍ يجب بلوغه وهي الأديان)).
((إن نكران حرية الإرادة ونكران التبعية الخلقية، واعتبار الإنسان مجرد وحدة فيزيائية كيماوية وجزءاً من مادة حية قل أن تتميز عن الحياة، كل هذا يؤدي حتماً إلى موت الإنسان الخلقي وخنق كل روحانية وكل أمل فيه، ويؤدي إلى ذلك الشعور الرهيب الموهن بالبطلان الكامل)).
والواقع أن ما يميز الإنسان كإنسان هو وجود الفكرة المجردة والخلقية الروحية فيه، وهو إن فخر فإنما يفخر بها، وحقيقة وجودها لا تقل عن حقيقة وجود الجسد وهي التي تعطي الجسد قيمة لا يحصل عليها بدونها (١).
ومن جهة أخرى كتب مؤلفو تاريخ البشرية المشار إليه سلفاً يقولون: "إن سيطرة الإنسان على الطبيعة قد كانت من أسباب زلزلة يقينه فيما يتعلق بغاية الحياة الإنسانية؛ ذلك أن الإنسان كان راضياً بما كتب له، وبأن مصيره يُحدَّد بقوانين أخلاقية عليا من عند الله، فكان يشعر بأنه يخدم غرضاً سامياً إذا هو سار على هدى الأخلاق الكريمة، وهكذا