نرى أن ارتفاع مكان الإنسان في مواجهة الطبيعة قد أعطاه إحساساً كبيراً بقوته الخاصة، ولكنه لم يمنحه الضوابط الأخلاقية لحسن استخدام هذه القوة".
ولما كان كل اكتشاف أو اختراع جديد يأتي معه بأخطاء كبيرة تحدق بالإنسان، فقد انتابت الإنسان آمال كبرى، وكأنما قد فتحت له فردوساً جديداً لم يكن يخطر له على بال، ولكن ظهرت بظهورها أخطار كثيرة غير إمكانية استخدامها عمداً لأغراض التدمير والخراب.
وقد أخذ الناس يتساءلون: ترى هل حياتهم لها غاية؟ أم أن البشرية إنما تسير إلى الأمام بلا تبصر، يدفعها إلى الحركة ذكاؤها القلق الذي لا يستقر على حال؟ وما هي واجبات الإنسان نحو إخوته من البشر؟ ما هي المبادئ الأخلاقية التي تستطيع أن تهدي الإنسان إلى خير السبل لاستخدام مقدراته الجديدة؟ كيف يستطيع مع استخدام هذه القدرات أن يختار السبيل المؤدي إلى خير البشر؟ (١).
وكان من الآثار السيئة - كذلك - لفصل العلم عن الدين ذلك التخبط المزعج الذي وقع فيه من يسمون علماء، خصوصاً فيما يتعلق بالشئون التي لا يستطيع الإدراك البشري منفرداً أن يسبر أغوارها.
فمثلاً: تعددت النظريات حول نشأة الكون إلى درجة تجعل أي مطلع عليها يشك فيها كلها، ومع ذلك فوجهات النظر فيها أقل اختلافاً منها فيما يتعلق بالنفس البشرية وسلوك الإنسان وانفعالاته وشعوره وحريته وإرادته، ففي الغرب اليوم عشرات المدارس النفسية ومئات الاتجاهات الفلسفية، كل منها يفسر الإنسان تفسيراً خاصاً، ويعالجه من وجهة نظر مغايرة، ويكفي شواهد على ذلك التحليلية والسلوكية والروحية والعبثية والوجودية والبراجماتية ... و ... إلخ.