للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وثبت في "صحيح مسلم" عنه أَنه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال قبل أَن يموت بخمس ليال: "إِنَ أَمَنَّ النَاسِ عَلَيَّ في صُحْبَتِهِ وَذَاتِ يَدهِ أَبُو بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، وَلكِنَّ صَاحِبَكُمْ خَلِيلُ اللَّهِ، لَا يَبْقَيَنَّ فيِ الْمَسْجِدِ خَوْخَةٌ إِلَّا سُدَّتْ، إِلَّا خَوْخَة أَبِي بَكْرِ، ألا إِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلُكمْ كانوا يَتَّخِذُونَ قبورَ أنبيائهم مَسَاجِدَ، ألَا فَلَا تتَخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ، فَإنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ".

وفي "الصحيحين" عنه أَنه ذُكِرَ له في مرضه كنيسة بأرض الحبشة، وذكروا من حُسْنِها، وتَصاوِيرَ فيها، فقال: "أُولَئِكَ إذا كان فِيهمُ الرَّجلُ الصَّالِحُ بَنوا عَلَى قبرهِ مَسْجِدًا، ثم صَوَّروا تلك الصور، أُولَئِكَ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ") (١).اهـ.

وقال شيخ الإسلام -أيضًا-:

(وإنما غاية الكرامة لزوم الاستقامة (٢)، فلم يُكْرِمِ اللَّه عبدًا بمثل أن يُعِينَهُ


(١) "الفرقان" ص (١٣٦ - ١٤٠).
(٢) والمريد الصادق قد تكثر له الكرامات في ابتدائه تثبيتًا له وتأنيسًا ومعونة، فإذا كمل خفت عنه أو انعدمت لعدم احتياجه إليها، ومِن ثَمَّ قال الجنيد -رحمه الله-: "مشى قوم على الماء، ومات بالعطش من هو أفضل منهم". انظر: "زاد المسلم" (٣/ ١٧٩)، وقال الشاطبي -رحمه الله-: "وعَدُّوا مَن رَكَنَ إلى الكرامات مستدرَجًا، من حيث كانت ابتلاءً، لا من جهة كونها آية أو نعمة". اهـ. من "الموافقات" (١/ ٥٤٩).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: "ومما ينبغي أن يُعرفَ: أن الكراماتِ قد تكون بحسب حاجة الرجل، فإذا احتاج إليها الضعيف الإيمان أو المحتاج؛ أتاه منها ما يقوي إيمانه ويَسُدُّ حاجته، ويكون مَن هو أكمل وَلايةً لله منه مستغنيًا عن ذلك، فلا يأتيه مثلُ ذلك لعلو درجته وغناه عنها، لا لنقص وَلايته، ولهذا كانت هذه الأمور في التابعين أكثر منها في الصحابة، بخلاف من تجري على يديه الخوارق لهداية الخلق أو لحاجتهم، فهؤلاء أعظم درجة". اهـ. من "الفرقان".
ولا يلزم من كون الرجل وليًا لله أن تقع له كرامات، فقد لا تقع الكرامات لمن هو من أعظم أولياء الله تعالى لاستغنائه عن ذلك لا لنقص في ولايته، ومن المُبَشرين بالجنة من الصحابة -رضي الله عنهم- مَن لم تقع له كرامات، فإن أعظم الكرامة: لزومُ الاستقامة، وانظر ص (١٩٦).

<<  <   >  >>