للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أخبر به الرسول -صلى الله عليه وسلم-" (١).

وقال الإمام المحقق ابن قيِّمِ الجوزية في ضمن شرحه لعبارة صاحب المنازل: "وأمَّا الدرجة الثالثة: فمكاشفة عين، لا مكاشفة علم" ... إلخ.

"وليس مراد الشيخ في هذا الباب: الكشف الجزئي المشترك بين المؤمنين والكفَّار، والأبرار والفجَّار؛ كالكشف عمَّا في دار إنسان، أو عمَّا في يده، أو تحت ثيابه، أو ما حَمَلَتْ به امرأته، بعد انعقاده ذكرًا أو أنثى، وما غاب عن العيان من أحوال البعد الشاسع ونحو ذلك، فإن ذلك يكون من الشيطان تارةً، ومن النفس تارةً؛ ولذلك يقع من الكفَّار؛ كالنصارى، وعابدي النيران، والصلبان؛ فقد كاشف ابن صياد النبي -صلى الله عليه وسلم- بما أضمره له، وخبَّأه، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّمَا أَنْتَ مِنْ إخوَانِ الكُهَّانِ"، فأخبر أن ذلك الكشف من جنس كشف الكهان، وأن ذلك قَدْرُهُ، وكذلك مُسَيْلمَةُ الكذَّاب، مع فرط كفره، كان يُكَاشِفُ أصحابه بما فعله أحدهم في بيته، وما قاله لأهله، يخبره به شيطانه، ليُغويَ الناس، وكذلك الأسود العنسي، والحارث المتنبي الدمشقي الذي خرج في دولة عبد الملك بن مروان، وأمثال هؤلاء ممن لا يحصيهم إلا الله، وقد رأينا نحن وغيرنا منهم جماعة، وشاهد الناس مِن كَشْفِ الرُّهْبَان عُبَّاد الصليب ما هو معروف.

والكشف الرحماني من هذا النوع: هو مثل كشف أبي بكر لما قال لعائشة -رضي اللَّه عنهما-: إن امرأته حامل بأنثى، وكشف عمر -رضي الله عنه- لمَّا قال: "يا ساريةُ الجبلَ"، وأضعاف هذا من كشف أولياء الرحمن.

والمقصود: أن مراد القوم بالكشف في هذا الباب أمر وراء ذلك، وأفضله وأجله: أن يكشف للسالك عن طريق سلوكه؛ ليستقيم عليها، وعن عيوب نفسه ليصلحها، وعن ذنوبه ليتوب منها.


(١) "درء تعارض العقل والنقل" (٥/ ٣٤٨ - ٣٥٤)، وانظر: "مجموع الفتاوى" (٢/ ٩١).

<<  <   >  >>